هل يستطيع حزب العدالة والتنمية تنفيذ برنامجه الاقتصادي؟ وعد ببناء اقتصاد وطني قوي وبنمو يقارب 7 في المائة




خصص البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، 1500 من الإجراءات المتنوعة ابتداء من الصحة ومرورا بالتعليم والاقتصاد والتنمية البشرية،
ووصولا إلى مناخ الأعمال والمنظومة الضريبية، إلا أن الظرفية العالمية الصعبة تجعل أجرأة هذا البرنامج الطموح شيئا صعبا، حسب عدة خبراء اقتصاديين، باعتبار أن نسبة عجز من الناتج المحلي الاجمالي تصل حاليا إلى 6 في المائة، وهدف الحكومة الجديدة هو إبقائه في 4 في المائة، ومتوسط معدل النمو الاقتصادي السنوي لا يتعدى 4 في المائة وهو غير كاف لتخفيض نسبة البطالة التي تقارب 9 في المائة وحوالي 30 في المائة عند فئة الشباب دون 34 سنة، بالإضافة إلى ضغوط ومطالب الربيع العربي، وارتفاع أسعار النفط، وأزمة منطقة الأورو، إذ أن المغرب معني مباشرة بهذه الأزمة كون الاتحاد الأوربي أكبر شريك اقتصادي وأزيد من 70 في المائة من صادرات المغرب تذهب إلى الدول الأوربية، وهذه الأخيرة هي أكبر مستثمر أجنبي بالمملكة، وفرنسا مثلا تفوق استثماراتها 14 مليار أورو، وأوروبا أيضا هي أكبر مساهم في إيرادات قطاع السياحة بالمغرب الذي يمثل 10 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي، وهناك كذلك تحويلات مليوني مهاجر مغربي بأوربا والتي تشكل 8 في المائة من الناتج.

«إذا تم انتخابنا سوف نفاجئكم»
قبل شهر من موعد إجراء الانتخابات التشريعية، وفي أول اتصال لحزب سياسي مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، سعى حزب العدالة والتنمية إلى أن يبعث برسائل صداقة إلى الباطرونا المغربية، التي لم يكن يخفي بعضها في السنوات الأخيرة تخوفه من أن يصل حزب إسلامي إلى تولي الشأن الحكومي في المغرب، حيث خاطبهم عبد الإله بنكيران، الأمين العام للحزب قائلا «لا تخافوا.. إذا تم انتخابنا سوف نفاجئكم»، وألح بنكيران على ضرورة فصل السلطة عن الثروة، واعدا بالتحلي بالشجاعة في التعامل مع الشأن الاقتصادي، بما يتيح لرجال الأعمال التصدي للمسائل ذات الصلة بالتنافسية، معتبرا أن برنامجه المقترح ليس سوى تطلعات سوف يحاول تجسيدها في حال ترأس الحزب الحكومة المقبلة، وفي سبيل تبديد التخوفات التي يمكن أن يثيرها حزب العدالة والتنمية، ذو التوجه الإسلامي، في نفوس رجال الأعمال، حرص بنكيران على التأكيد بأن الإسلام ليبرالي في تعاطيه مع القضايا الإسلامية واشتراكي على مستوى التوزيع، موضحا أن الإسلام يضع على المستوى الاقتصادي خطوطا حمراء لإعادة التوازن الاقتصادي، وفي تفاعلهم مع تطلعات العدالة والتنمية، آخذ بعض رجال الأعمال على الحزب عدم تقديمه برنامجا مرقما من أجل تقدير مدى إمكانية تجسيده وتساءلوا عن مصادر التمويل التي يعتزم تعبئتها من أجل تمويل المشاريع التي يتضمنها البرنامج وعابوا عليه عدم إيلاء الاهتمام اللازم للفلاحة و استفسروا حول مدى أخذ وضعية الاقتصاد الهشة بعين الاعتبار والسياق الدولي القادم.
بنكيران يطمئن الباطرونا
عقب إعلان النتائج الأولية للانتخابات التشريعية، أرسل عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، رسالة صداقة إلى رجال الأعمال المغاربة، عبر رئيسهم محمد حوراني، حين أخبره عن إمكانية الاعتماد على الحزب من أجل تقوية الاقتصاد، وفي هذا الصدد وبعد الاعلان مباشرة عن فوز حزب العدالة والتنمية، قال محمد حوراني، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، إن بنكيران خاطبه، بمناسبة تهنئته له بالنتائج التي حصدها حزبه بالقول «يمكنكم التعويل علينا.. سوف نعمل على تقوية الاقتصاد»، وهو بذلك يرسل رسالة طمأنة إلى رجال الأعمال الذين كانوا يتخوفون في السنوات السابقة من تولي حزب إسلامي أمر الحكومة، وقال حوراني إن النتائج التي أفرزتها الانتخابات تعبر عن إرادة الشعب، قبل أن يؤكد «كيف لا أثق في حزب وثق فيه الشعب»، موضحا أن الأجواء التي مرت فيها الانتخابات التشريعية الأخيرة تعطي مصداقية للمسلسل الديمقراطي في المغرب، بما يساهم في تعزيز الثقة في الاقتصاد المغربي ويفضي إلى تحسين مناخ الأعمال، وشدد حوراني على ضرورة العمل على رفع معدل النمو الاقتصادي، الذي يتطلع الاتحاد العام لمقاولات المغرب إلى أن يكون في حدود 6.5 في المائة (وهو نفس الرقم تقريبا الذي يقترحه حزب العدالة والتنمية من خلال برنامجه الانتخابي)، وهو معدل صعب بلوغه في ظل الأزمة العالمية الحالية.
بناء اقتصاد قوي وتنافسي
يركز البرنامج الانتخابي للحزب فيما يتعلق بالشق الاقتصادي، على بناء اقتصاد وطني قوي وتنافسي ومنتج وضامن للعدالة الاجتماعية من خلال اعتماد مقاربة جديدة ومندمجة، ورفع التنافسية وإرساء قواعد الشفافية والفعالية والحكامة الجيدة وتحسين مناخ الأعمال، مشددا على التزامه بإحداث نظام جديد للمالية العمومية وللإطار الضريبي الذي يتعين أن يكون قائما على الفعالية والاندماج ، وفي هذا الصدد أكد أطر الحزب خلال الحملة الانتخابية على أهمية رفع تنافسية الاقتصاد الوطني وتمتين العلاقات الاقتصادية مع بعض الدول النامية، خاصة وأنها أصبحت تضطلع بدور مهم في الاقتصاد العالمي، بينما أكد البرنامج على المستوى الاجتماعي، التزام الحزب بتحسين مؤشر التنمية إلى ما دون مرتبة 90، وتقليص نسبة الأمية إلى 20 بالمائة في أفق 2015 و10 بالمائة في أفق 2020، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى ثلاثة آلاف درهم والحد الأدنى للمعاشات إلى 1500 درهم، علاوة على مضاعفة الرعاية الصحية للطفل والأم.
نمو اقتصادي ب 7 في المائة
يتطلع حزب العدالة والتنمية إلى بلوغ معدل نمو اقتصادي ب7 في المائة في حدود 2016، والعمل على الحفاظ على التوازنات المالية عبر حصر عجز الميزانية في حدود 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام، كما وعد الحزب، الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية، ومن خلال برنامجه الانتخابي بمراجعة السياسة الجبائية في اتجاه جعلها أداة لتوفير الموارد اللازمة للدولة، حيث توقع أن تزيد تلك الموارد بحوالي 20 مليار درهم، عبر ترشيد النفقات وتوسيع نطاق الضرائب التضامنية، ومحاربة التهرب الضريبي، حيث إن حل مشكل التهرب سوف يفضي بالضرورة إلى زيادة مداخيل الدولة، وعن الخطوات التي يرمي إلى اتخاذها في المجال الجبائي، أوضح الحزب أنه يتطلع إلى إصلاح ضريبي شامل يرمي إلى توسيع الوعاء وتخفيف العبء الضريبي في أفق تخفيف العبء من الضريبة على الدخل للفئات الدنيا والمتوسطة ورفع مساهمة ذوي الدخول العالية، وتتجه نية الحزب إلى خفض الضريبة على الشركات في أفق اعتماد نسبة 25 في المائة، وهو المستوى الذي يطالب به الاتحاد العام لمقاولات المغرب في السنوات الأخيرة، في ذات الوقت يخطط الحزب من أجل تشجيع إدماج القطاع غير المهيكل وتقوية مساهمة المقاولات المتوسطة والصغرى في مجهود التشغيل إلى رفع سقف المعاملات لتطبيق معدل 15 في المائة إلى 5 ملايين درهم عوض 3 ملايين درهم حاليا.
منظومة جديدة للضريبة
على القيمة المضافة
وعد الحزب بتبني منظومة جديدة للضريبة على القيمة المضافة في أفق إعفاء المواد الأساسية على المستويين الغذائي والطبي والعودة لتطبيق معدل 30 في المائة على المواد الكمالية و تثبيت السعر العادي على مجمل المواد وتطبيق سعر 20 في المائة على الأشطر العليا في الماء والكهرباء وإعفاء بناء المؤسسات الدينية والاجتماعية، وعبر الحزب من خلاله برنامجه الانتخابي عن تطلعه إلى دعم الاقتصاد الحقيقي وتنويع مصادر النمو ونهج سياسة إرادية لإنهاء اقتصاد الريع والاحتكار والهيمنة والحد من المضاربة، ورفع الدخل الفردي ب 40 في المائة في الخمس سنوات القادمة، وتوسيع استفادة المشاريع الاستثمارية من التحفيزات الاستثنائية وإشراك المقاولات الوطنية الصغرى والمتوسطة في تنفيذ الصفقات العمومية الكبرى بنسبة 30 في المائة على الأقل.
الرفع من الحد الأدنى للأجور
اقترح حزب العدالة والتنمية الرفع من الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 3000 درهم، وفي تعليقه على ذلك، يعتقد الخبير الاقتصادي ادريس بنعلي، بأن ذلك غير ممكن، لأن إنتاجية المغرب لا زالت ضعيفة للوصول إلى مثل هذه الأجور الدنيا، وإلا سنكون أمام عمل خيري، لأن كل أجرة بدون قيمة مضافة تنعكس سلبيا على الاقتصاد، ونبه بنعلي إلى عدم الانزلاق إلى الأزمة الخانقة التي رافقت فرنسا في عهد فرانسوا ميتيران الاشتراكي، عندما وصل إلى الحكم وبدأ في تطبيق برنامجه الاجتماعي، مما أدى بفرنسا إلى الدخول في أزمة خانقة بعد سنتين من حكم الاشتراكيين وما استتبع ذلك من سياسات تقشفية، ونفس الرأي يشاطره هشام موساوي أستاذ الاقتصاد بجامعة مولاي سليمان ببني ملال، الذي اعتبر الرفع من الحد الأدنى للأجر بأكثر 3000 درهما سيشكل خطرا على تطور المقاولات الصغرى والمتوسطة، وسيحد من تنافسيتها بل سيجعل هذه المقاولات تحد من توظيف يد عاملة جديدة، بينما يرى نوح الهرموزي، أستاذ الاقتصاد بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، أن برنامج الحزب في مجمله طموح جدا، ويجب أن نعطي لأطر الحزب الفرصة لإنجاح تجربتهم، لكن في المقابل يتساءل الهرموزي، كيف السبيل لمقاومة جيوب المقاومة التي تستفيد من الوضع الراهن؟



برنامج طموح.. ولكن !
علق الخبير والمحلل الاقتصادي، إدريس بنعلي، على برنامج الحزب بالقول، أنه في كل حملة انتخابية هناك تفاؤل مفرط إن لم نقل «ديماغوجي»، ولحد الساعة لم يألف المغاربة من الأحزاب السياسية توجيه خطاب حقيقي، ومن الطبيعي أن يكون البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية طموحا، لكن في الظرفية الحالية لا أظن أن نسبة النمو المقترحة والتي تصل إلى 7 في المائة يمكن بلوغها في أفق العامين المقبلين بسبب الأوضاع الاقتصادية التي يمر منها المغرب، وبسبب الأزمة المالية التي يعرفها العالم، وأضاف بنعلي، في اتصال مع «المساء» أن نسبة النمو المعقولة خلال السنتين المقبلتين يمكن أن تصل إلى 4 أو 5 في المائة، بحسب عدة منظمات دولية، وهذه النسبة مرتبطة بالموسم الفلاحي الجيد، لأن الفلاحة تشكل 16 في المائة من الناتج الداخلي الخام، فأهم تحد لدى الحكومة المقبلة هو دخول اتفاقية التبادل الحر مع أوروبا حيز التطبيق في مارس المقبل، مما يعني نقصا في العائدات المالية بفعل تراجع الرسوم الجمركية، كما أن أوروبا وهي أول شريك اقتصادي للمغرب، خصوصا فرنسا وإسبانيا، المستثمرين الأساسيين في المغرب، مقبلة على أزمة اقتصادية خانقة، سيكون لها تأثير على عائدات خمسة ملايين من المهاجرين المغاربة وعلى موارد القطاع السياحي أيضا، ويرى بنعلي أن على الحكومة الجديدة البحث عن موارد مالية بديلة، بالاتجاه نحو دول الخليج مثلا لجلب استثمارات إضافية، بالإضافة إلى اتخاذ قرارات سياسية جريئة في محاربة الفساد والقضاء على القطاع غير المهيكل، والقيام بإصلاح ضريبي شامل واعتماد الحكامة الرشيدة في السياسة والاقتصاد معا.
أما هشام موساوي، أستاذ الاقتصاد بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، فقال إن البرنامج الاقتصادي لحزب العدالة والتنمية، فيما يخص الملفات الكبرى مثل التشغيل والاستثمارات العمومية والتوازنات الماكرو اقتصادية والتكافل الاجتماعي، لا تبتعد كثيرا عن وعود بقية الأحزاب الأخرى، لكنه تميز فيما يخص اختياراته للاقتصاد الاجتماعي، حيث قام بخلط ما بين التدابير الهادفة الى الكفاءة الاقتصادية واستهداف العدالة الاجتماعية، مستلهما ذلك من النموذج التركي، لكن موساوي يرى بأن المغرب لن يعرف خلخلة في توجهاته الاقتصادية والاجتماعية الكبرى المرسومة سلفا من قبل المؤسسة الملكية، بالنظر إلى طبيعة النظام السياسي المغربي واندماج الحزب في هذه اللعبة السياسية منذ بداية 2000.