التحقيق خالد أمين:
كيف يحولون الساحة الانتخابية إلى سوق تتحكم فيه سلطة المال والجاه
شكلت ظاهرة وسطاء الانتخابات أو بتعبير أوضح (سماسرة الانتخابات) بالمغرب، نقطة سوداء للأسف لا تزال متفشية بشكل كبير في الأوساط المغربية، يتوهج نشاطها مع كل موعد انتخابي جديد، لدرجة أصبح معها هذا النشاط يتحكم في الإرادة الشعبية على مجموعة من المستويات، ويشجع على تنامي أعداد المتدخلين في توجيه العملية الانتخابية والتأثير على حرية الناخبين في إقرار نتائج على مقاسات تخدم الدولة في تشويه المشهد السياسي الوطني.
هذه الظاهرة تنشط على امتدادا المساحة الفاصلة بين المحطات الانتخابية، لاستدراج الكتلة الناخبة وتهييئها للمشاركة في العملية الانتخابية حسب الإملاءات التي يفرضها هؤلاء السماسرة، الذين ينتمون في أغلبيتهم لصغار المنتخبين ممن سهلت الإدارة الترابية عملية تمريرهم للمؤسسات المنتخبة المحلية لأجل القيام بهذا الدور في استمالة الهيئة الناخبة حسب الأوامر الفوقية، حيث تجتهد السلطة دائما في تطور وسائل تدخلها تماشيا مع تطوير العقلية المغربية، يحدث هذا الفعل في البلاد بإيعاز من القائمين على تدبير شؤونها العامة، دون أدنى اعتبار للبناء الديمقراطي الذي تنشده الأمة، فإلى متى ستستمر عملية سريان هذه الفيروسات في دماء مسلسلنا الانتخابي المغربي؟ ومتى تتوفر الإرادة السياسية الحقيقية في وضع قطيعة مع هذه الممارسات المشينة والمسيئة للمشوار الديمقراطي بالبلاد؟!
باتت ظاهرة سماسرة الانتخابات تؤثث المشهد الانتخابي المغربي، نظرا لقوة تأثيرها في توجيه الكتلة الناخبة في الاتجاهات التي تراها مناسبة لشهواتها المأجورة، والمفتوحة على كل التيارات حسب منطق العرض والطلب، لدرجة أصبحت معها بعض الكائنات الانتخابية تملك قلعات محصنة بفعل ضغط سماسرتها على الكتلة الناخبة، إن بواسطة المال العام مباشرة أو عن طريق خدمات أخرى تحركها الهواجس الانتخابية، ويمكن الاعتراف بأن تنامي هذه الطفيليات داخل المشهد الانتخابي المغربي مرده لغياب إرادة سياسية واضحة المعالم تمكن من تفعيل القنوات القانونية الزجرية للحد من تناسل هذه المظاهر المسيئة للتقدم الديمقراطي للبلاد، وقد ذهبت مجموعة من الفعاليات السياسية المغربية في تحليلها لتكاثر سريان هذا الداء في الجسم الانتخابي الوطني، للسياسية العامة التي تنهجها الدولة والمبنية أساسا على تشويه ملامح المشهد السياسي الوطني، باعتمادها الأساليب اللاديمقراطية في إقرار خريطة سياسية على المقاسات التي تخدم مصالحها غير الديمقراطية، ومن أهم الأسس الضامنة لاستمرار هذا الاضطراب في الأرقام الانتخابية المغربية تواجد تلك الكائنات الانتخابية التي تحولت مع مرور الزمن إلى ديناصورات انتخابية تتحكم في النتائج أشهرا قبل الاقتراع العام، بواسطة حفنة من السماسرة على اختلاف مواقع تواجدهم من الهرم المجتمعي ودرجاته، والتي أضحت تملك أزرار تحريك الكتلة الناخبة حسب الإملاءات الفوقية لأصحاب القرار، خاصة وأن أغلب هؤلاء (الشناقة) يدخلون في خانة الأعيان والأعوان أو بتعبير أقرب أصابع الإدارة الترابية الذين تسخرهم لتغليب كفة خدامها من المرشحين للانتخابات على اختلاف مستوياتها.
فيما أرجع بعض المراقبين السياسيين انتشار ظاهرة (سماسرة الانتخابات) إلى العقليات الحزبية التي تملأ المشهد الحزبي الوطني والتي تتسابق في كل الاتجاهات لأجل ضمان استمرار وجودها داخل المؤسسات المنتخبة للمحافظة على مستوى تأثيرها داخل المشهد السياسي بواسطة القوة العددية لمنتخبيها داخل المؤسسات التشريعية، وأثناء هذا السباق العجيب في اتجاه حصد المقاعد البرلمانية على الخصوص، تستعمل هذه المؤسسات الحزبية كل الوسائل المشروعة منها وغير المشروعة في سبيل تحقيق غاياتها الانتخابية ولو على عاتق الديمقراطية، ويتجلى هذا الأمر واضحا من خلال العينات التي تترشح باسم هذه الأحزاب والتي يدخل معظمها ضمن خانة، الأعيان/ بارونات المخدرات / الباطرونات / أصحاب الشكارة، مما يؤكد أن غاية الأحزاب تبرر وسيلتها في تزكية هؤلاء عوض مناضليها وأطرها، الشيء الذي أرجع بموجبه هؤلاء المراقبين المسؤولية للمؤسسات الحزبية محملين إياها الجزء الكبير في نسبة الأعطاب التي تخللت المسيرة الديمقراطية بالبلاد، خاصة وأن دستور المملكة قد أوكل للأحزاب مهمة تأطير المجتمع وتوجيهه بما يضمن التأسيس لبناء ديمقراطي يؤهل البلاد للانخراط في المنظومة الديمقراطية العالمية على الوجه الذي يشرفها.
وبين واجب الدولة والأحزاب في مكافحة ظاهرة (سماسرة الانتخابات) تعج الساحة الانتخابية المغربية بهذه الكائنات التي تقف مانعا أمام التعبير الحر للهيئة الناخبة، من خلال تأثيرها بواسطة المال العام أو بعض الخدمات الاجتماعية والتي غالبا ما تكون خارج القانون، في استمالتها للتصويت لفائدة أشخاص بعينهم، لذلك تكون المنافسات الانتخابية المغربية على الطابع غير الشريف، مما يستحيل على ضوئه التكهن بالنتائج المرتقبة للانتخابات، كما تصعب معرفة الحزب الذي ترجح كفته للفوز في الاستحقاقات طالما أن هذه الأخيرة محكومة بمنطق المال والامتيازات والتدخلات غير المشروعة، ويمكن القول بأن هذه الظاهرة قد رفعت عن العملية الانتخابية قدسيتها، وحولتها إلى مجال للمزايدة والمتاجرة، يتحكم فيها منطق العرض والطلب، وحولت المعركة الانتخابية من ساحة للمنافسة الشريفة بين الفعاليات السياسية التي تتقارع عبر برامج انتخابية واقعية تدفع في اتجاه تقدم البلاد إلى المستويات الديمقراطية التي تؤهلها للاندماج الفعلي والفاعل في المنظومة التي تحكم البلدان الديمقراطية عبر العالم، إلى سوق انتخابية تتحكم فيها سلطة المال والجاه، يتسابق فيه الأعيان والأعوان وبارونات المخدرات على مرأى ومسمع من الإدارة الترابية التي تبارك من جهتها هذا السلوك النشاز في سمفونية الديمقراطية.
- مباشرة مع اقتراب أي محطة انتخابية بالمغرب، تبرز إلى السطح ظاهرة (وسطاء الانتخابات)، ممن يحولون اتجاهات الكتلة الناخبة في الوجهة التي تخدم مصالحهم، مقابل أقساط مالية تقدمها لهم الجهة المستفيدة من التصويت، ما هو تقيمكم لهذه الظاهرة
ظاهرة "وسطاء الانتخابات" هي ظاهرة جزئية ترتبط بظاهرة عامة تقترن بغياب الديمقراطية السياسية على صعيد المجتمع المغربي ككل، فهي مجرد آلية لتحقيق هدف ترسيخ مشهد سياسي تنعدم فيه أسس النزاهة والشفافية واحترام إرادة الهيئة الناخبة، لذلك تبقى هذه الظاهرة مرتبطة بالعمليات الانتخابية عبر جميع مراحلها، ومرتبطة إلى حد كبير بطبيعة النظام السياسي القائم وكيفية إدارته للشأن العام بالمغرب، لأن غياب الإرادة السياسية لدمقرطة المجتمع تفتح المجال للعديد من المظاهر والظواهر السلبية لخلق مؤسسات مشوهة لا تعكس الإرادة الحقيقية للكلتة الناخبة ولا تنتج مؤسسات ذات مصداقية وفعالية، ومن بين هذه الظواهر هؤلاء "الوسطاء" ويمكن القول بأن لهذه المظاهر السيئة ارتباط بأجهزة الدولة، الساهرة على العملية الانتخابية والتي تعمل دون هوادة في ترجيح كفة لون سياسي معين عن بقية الألوان السياسية الأخرى، لخلق خريطة سياسية على المقاس وتمرير أعيان من خلال هذه الانتخابات لمجارات السلطة في مختلف المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، من جهة أخرى هناك كتلة منتخبة عن طريق التزوير والفساد والتدخلات، تتحكم في العديد من المؤسسات الجماعية، تقوم هي الأخرى بدور "الوساطة" عن طريق وسطائها الصغار من المواطنين، ووسطاء من الموظفين الجماعيين، كما تستغل الممتلكات العمومية وتوظف المال العمومي لاستمالة الكتلة الناخبة،وتسخر خدماتها في العديد من الجوانب الحياتية غير القانونية مقابل ضمان أصوات الهيئة الناخبة، والدليل أنه مع اقتراب أي موعد انتخابي تبرز إلى السطح ظاهرة البناء غير المرخص والبناء العشوائي وتنتعش بشكل خطير جدا، لهذا أقول بأن ظاهرة الوسطاء تبقى ظاهرة سياسية في العمق، وما هي إلا تجلي واضح لغياب الديمقراطية بالمغرب.
- ما هي الآثار السلبية لهذه الظاهرة على البناء الديمقراطي للبلاد، وما هي درجات هذا التأثير؟
+ هناك الديماغوجية السياسية التي تحاول من خلالها الدولة أو النظام السياسي القائم بالبلاد، الظهور بمظهر أو صبغ نفسه ببعض المساحيق الديمقراطية، إلا أنها تنحصر فقط على مستوى الخطاب، أما على المستوى الفعلي فهي مغايرة بشكل قطعي للشعارات المرفوعة والتي تحاول أن تعطي لنفسها طابع الحداثة والديمقراطية بإعلانها نية بناء دولة المؤسسات، على ضوء هذا الخطاب يعيش المجتمع المغربي مفارقة بين الخطاب والواقع الفعلي والترجمة الفعلية له، هذا يؤكد أن الدولة تحاول أن تظهر بمظهر الديمقراطية الجادة في عملية تحديد الدمقرطة، إلا أن الإرادة السياسية لتحقيق هذا الفعل لا وجود لها أساسا، مما يشجع كل دوائر الدولة المرتبطة بالعملية الانتخابية أن تشتغل دون رقيب ولا حسيب لتحقيق هدف سياسي محدد،والدليل أن هناك اعتقالات مست بعض النواب البرلمانيين ووسطائهم في عملية إفساد انتخابات تجديد ثلث أعضاء مجلس المستشارين، وهو أمر مستحسن، لكن السؤال الذي ظل مرفوعا بخصوص هذه الاعتقالات والمحاكمات هو، هل كانت هذه الاعتقالات وتلك الأحكام تعكس حقيقة حجم التزوير الذي شاب العملية برمتها؟! لا أعتقد ذلك، والدليل أن الأحزاب برمتها أدانت العملية، لكن من منطلقات مختلفة، منها من لحقها الضرر وكان عليها أن تصرخ للمحافظة على نقاوتها على المستوى الظاهري، خاصة وأن الانتخابات على الأبواب، ثم هناك أحزابا اعتبرت محاكمة مرشحيها مجرد تصفية حسابات سياسية ليس إلا، وبصفة شخصية أشك في نزاهة القضاء بخصوص هذه العملية، لهذا أقول بأن غياب الديمقراطية وانعدام الإرادة السياسية لا يمكنها إلا أن تنتج مؤسسات مشوهة، وأن تتنامى في ظلها أعداد السماسرة على مختلف الواجهات، والذين أصبحوا لكثرتهم يبدعون في اختراع أشكال جديدة للتزوير، وهذا التطور عرفته المراحل الانتخابية المغربية على امتداد مساحة الاستقلال ففي منتصف السبعينيات كان التزوير فاضحا،
ولازال حاضرا لكن بأشكال وطرق أخرى منها التقطيع الانتخابي الذي يتم تفصيله على مقاس الدولة، ثم اللوائح الانتخابية، وعدم تفعيل القوانين الزجرية المرتبطة بالمخالفات والتجاوزات الانتخابية، ويتم التزوير كذلك من خلال التحكم في الناخبين الكبار وتحريكهم على النهج الذي يخدم مصالح الدولة في التأثير على المشهد الانتخابي، كل هذه الأمور تبقى حاضرة في غياب إرادة سياسية حقيقية لدمقرطة المجتمع، قد تختلف هذه المظاهر في أساليبها وأشكالها إلا أنها تتغذى باستمرار هذا الغياب، وقد تبرز إلى السطح مظاهر لوساطات انتخابية متطورة عما هو سائد لحد الآن.
- أغلب هؤلاء الوسطاء أو سماسرة الانتخابات ينتمون للأحزاب السياسية المغربية مع العلم ان أحزابهم ترفع شعارات النزاهة والشفافية والاختيار الحر وما إلى ذلك من الشعارات المشابهة، كيف تقيمون هذا السلوك؟
+ بالنسبة لي الكل يتحمل المسؤولية، الدولة تتحمل المسؤولية وهي منطقية مع نفسها لأنها تعمل على إقامة مشهد سياسي محدد، ومضبوط على مقاسات معنية، يخضع لتوازنات محددة للتحكم في سير العملية السياسية بالبلاد، والأحزاب هي الأخرى تتحمل مسؤولياتها لأنها تقبل بالتزوير طالما أنه يخدم مصالحها وفي حالات العكس ترفضه وتحتج على نتائجه، لذلك يبقى مفروضا على الأحزاب السياسية أن تخلق نفسها من خلال اختيارها للمرشحين وأن تحرص على توفرهم على شروط المصداقية والنزاهة والاستقامة، وهذا الجانب رغم أهميته إلا أن المؤسسات الحزبية، لا تراعيه حق مراعاته فقط يحركها هاجس حصد أغلبية الأصوات ونفخ عدد المقاعد داخل المؤسسات المنتخبة، لتوفر بواسطتها شروطا مريحة داخل المؤسسة التشريعية، ومن مظاهر السلوكات السياسية للأحزاب أنها لم تعد تعتمد على مناضليها في الانتخابات، أصبحت تعتمد على أعيان القبائل وعلى باطرونات التمويل، دون أدنى اعتبار لعامل المصداقية والاستقامة، لذلك فإن الفساد لم يعد منحصرا في مؤسسات الدولة، بل امتدت إلى جوف الأحزاب، مما شوه ملامح المشهد السياسي وأفرغه في مصداقيته، الشيء الذي ترتبت عنه ظاهرة العزوف عن التصويت من طرف أفواج هائلة من الكتلة الناخبة، لأن حجم الإمساك عن الانتخابات وعدم المشاركة في العمليات السياسية يتزايد بشكل مخيف بالمغرب، والمسؤولية في هذا تبقى مسؤولية مشتركة.
- تم ضبط مجموعة من أعوان السلطة ورجالاتها خلال الانتخابات العامة المباشرة السابقة، لتورطها في إفساد العملية الانتخابية، كيف تعلقون على هذا الفعل؟
+ هذا الفعل يبقى عاديا جدا، لارتباطه بحجر الزاوية، لأن الاختيار السياسي يحدد الأساليب التي من شأنها تدبير العملية، إذ لا يمكن أن يحصل التزوير دون أن تكون الإدارة ضليعة، لكونها الساهرة على العملية الانتخابية، والمشرفة على اللوائح، والمراقبة للعملية في جميع مراحلها، وهي المؤثرة بشكل كبير على الكتلة الناخبة نفسها، لذلك ليس غريبا أن تتدخل على مستويات مختلفة، حيث أصبح التزوير بالنسبة لها أمرا عاديا ومسلما به، والدليل أنها لا تحرك ساكنا في هذا الباب لعلمها الأكيد بأن النتائج مطبوخة مسبقا وليس هناك شيء اسمه الحياد السلبي، هناك فقط الحياد واللاحياد.
- كسف السبيل لتجاوز هذه السلبيات التي ساهمت في تعطيل مسيرة البناء الديمقراطي بالمغرب؟
+ السبيل هو بناء الديمقراطية بمؤسسات ذات مصداقية وأن يحصل فصل سلط حقيقي بالبلاد، وأن تكون التشريعات تتضمن روح الديمقراطية، وتحترم إرادة الناخبين وأن تكون هناك آليات لتفعيل هذه المنظومة والترسانة القانونية التشريعية والإدارية التي تضمن الحفاظ على صوت الهيئة الناخبة، لأنه لا يعقل أن يتم استغلال الفاقة والحاجة والخصاص الذي يحيط بحياة المواطنين واستغلال القضايا التي تحتاج إلى حل، لاستمالة المواطنين للتصويت لفائدة جهة معينة، هذا الشكل اعتبره شخصيا تحقير للمواطنين وهذا في صلبه يؤثر على بناء ديمقراطية حقيقية، لذلك فإننا بحاجة إلى معركة جديدة للديمقراطية لا تنحصر في محاولة كسب أصوات الناخبين والمقاعد، إنما يجب أن تفعل وترسخ التربية على تقوية روح المواطنة، ليصبح بالفعل المواطن هو قلب العملية الانتخابية، لأنه كلما تحرر المواطن من مظاهر الاستلاب، كلما تمكن من الحسم في تحقيق ديمقراطية حقيقية.
++++++++++++++++++++++++++++++
عبد المجيد بوزوبع / الحزب الاشتراكي
سماسرة الانتخابات مفسدون بامتياز
++++++++++++++++++++
- مع اقتراب كل محطة انتخابية بالمغرب، تبرز ظاهرة (وسطاء الانتخابات)، ممن يوجهون الكتلة الناخبة ويستميلونها لفائدة مرشح معين مقابل أقساط مالية يتم الاتفاق عليها مسبقا، كيف تقيمون هذه الظاهرة؟
+ بداية لا بد من الإشارة إلى أن إفساد العملية الانتخابية بالمغرب غدت أزمة بنيوية والعوامل المتدخلة في إفسادها متعددة تتطور وتنمو مع كل استحقاق واسمحوا لي كذلك أن ادقق معكم في التعبير الذي تفضلتم به في سؤالكم وهو "وسطاء الانتخابات" حيث من المفروض على كل حزب أن تكون له وسائط متعددة من إعلام ومناضلين يشتغلون بواجهات مختلفة للعمل الجماهيري يكونون القناة التي يمررون منها خطابهم الحزبي والدعاية لصالحه وتوجهاته عن قناعة وطواعية والتعبئة له في كل المحطات والاستحقاقات، أما الذين وصفتموهم بمن يوجهون الكتلة الناخبة لفائدة مرشح معين مقابل أقساط مالية فالتعبير القريب منهم هو "سماسرة الانتخابات" التي تعد من أعتق الآليات المستعملة في إفساد العملية الانتخابية التي من المفروض أن تشكل كباقي المجتمعات المعاصرة عنواناً هاماً للديمقراطية ومدخلاً للتطور الديمقراطي والاجتماعي في ظل التطورات المتلاحقة على المستويين الإقليمي والدولي.
- هناك مرشحين باسم أغلب الأحزاب المغربية، يستفيدون من خدمات هؤلاء (سماسرة الانتخابات) مع أن خطابهم السياسي ينبذ هذه الظاهرة، كيف تقيمون من جانبكم هذا التناقض
+ من المؤكد أن الأحزاب السياسية هي هيئات لتأطير فئات أو طبقات اجتماعية تنتمي إليها طبقيا وبرنامجيا عبر مشروع مجتمعي تناضل من أجل تحقيقه إما بالوسائل السياسية أو الجماهيرية أي أنها تنفتح على أفق مجتمعي مغاير. أما الأجهزة الإدارية و هذا حال هذه الأحزاب ليس لها أفق مجتمعي مغاير و لا تسمح بضخ دماء جديدة في جسمها المترهل و العجوز لذلك تتناسل و تنشق عنها الكثير من التيارات وقصة المنهجية الديمقراطية و أرض الله الواسعة … ليدلان على دغمائية هذه الأحزاب و تحولها إلى امتدادات مخزنية تستقطب أصحاب الشكارة والأعيان و أباطرة المخدرات و رموز الفساد المالي و الإداري والانتخابي. ولا غريب في الأمر مع انحصار خطابها وانحباس نموها وتسرب وإهدار طاقات بشرية نضالية مهمة أن تلتجئ إلى خدمات سماسرة الانتخابات بل هناك الكثير من مرشحي هذه الأحزاب يفوض هذا الأمر لمياومين أو بعد شركات الاتصال لتوزيع منشوره الانتخابي.
أضيف كذلك أن التحول الذي حصل عموديا و أفقيا في بناء المشهد السياسي جعل من معظم الأحزاب مجرد كتل انتخابية برنامجها السياسي هو التطاحن للحصول على المقاعد و المواقع و التلويك لخطابات رسمية والإشادة بها.
- ضبط خلال الانتخابات العامة المباشرة الأخيرة مجموعة من أعوان السلطة ورجالاتها يقومون بدور الوساطة لفائدة مرشحين معينين، ما هو تعليقكم على هذه الحالات ؟
+ إن من ضوابط النـزاهة وأسسها أن يكون هناك تكافؤ في الفرص، ولا أعتقد أن التكافؤ في الفرص قائم بين القوى السياسية المغربية، في مختلف توجهاتها، وبما أن الذين ضبطوا في انتخابات 8 شتنبر يقومون بدور الوساطة لفائدة مرشحين معينين هم مجموعة من أعوان ورجال السلطة هو دليل على انه يوجد هناك تقاطع بين مصالح الطرفين، المرشحين وأعوان ورجال السلطة ، وبالتالي تتدخل السلطة من خلال أعوانها ورجالها سواء بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، للتأثير على العملية الانتخابية، وعلى مجريات الانتخابات.
- كيف السبيل للتخلص من هذه الممارسات المشينة التي تحد من حرية الاختيار الشعبي، وتسيء لشفافية العلمية الانتخابية بالمغرب ؟
+ سوف يكون من ضرب التمني الادعاء انه في التجربة الانتخابية المقبلة سوف يتم التخلص من هذه المعوقات التي تفسد العملية الانتخابية لأن هذه الأوضاع والممارسات هي حصيلة تراكمات امتدت على مدى عقود من الإفساد الممنهج همّت بالأساس الحياة السياسية في شقيها الحزبي والانتخابي . ذلك أن تفريخ الأحزاب وصناعتها على المقاس المطلوب، وانعدام الديمقراطية الداخلية داخل الأحزاب، ساهم في عدم توفير الشروط الصحية اللازمة لبناء مغرب المستقبل الذي هو مغرب المؤسسات والمواطنة. كما أن إفساد الاستشارات الشعبية لم يخلق سوى فئات من الانتهازيين والسماسرة اجتاحوا المواقع، على اختلاف درجاتها...
لكن كل هذه المشكلات لا يمكنها أبدا أن تجعلنا في حالة انتظارية ولا تلغي أهمية إشاعة الوعي والمشاركة السياسيين على أوسع نطاق بين فئات المجتمع، لارتباط مستقبل هذه الفئات ومستقبل وطنها بقدرتها على الفعل والتأثير والتغيير وتحسين مستوى العمل السياسي.
فيجب أن تتضمن التشريعات الخاصة بتنظيم الانتخابات العديد من الضمانات التي تهدف إلى تحقيق انتخابات، نزيهة تعكس إرادة الجماهير الشعبية الحقيقية وتجريم جميع الممارسات والأفعال التي تقصد التأثير على نزاهة الانتخابات، وتحديد عقوبات توقع على مرتكبها، الذي قد يكون فردا عادياً، أو ممن أنيطت بهم بعض المهام والواجبات المتعلقة بالعملية الانتخابية .
إن نزاهة العملية الانتخابية وحرية المنافسة السياسية وإتاحة الفرصة للمواطن ليقول كلمته من خلال صناديق الانتخابات والإشراف القضائي على الانتخابات واستقلاله الكامل عن السلطة التنفيذية والتزام أجهزة الدولة كلها بما في ذلك الأجهزة الأمنية والإعلامية والقضائية وغيرها دورا حياديا خلال فترة المنافسة الانتخابية وحتى إعلان النتائج النهائية للانتخابات وما بعدها.. هي التي ستحكم على مصداقية الخيار الديمقراطي في البلاد، ذلك أن التلاعب في أي مرحلة انتخابية سوف يهدد هذه المصداقية.
وأضيف أنه ليس الأهم هو النزاهة الإجرائية للانتخابات فقط، للحصول على انتخابات نزيهة وشفافة بل تنضاف إلى ذلك معايير المصداقية والكفاءة التي تتحكم في اختيار المرشحين، والأدوار التشريعية والرقابية لمؤسسة البرلمان وتعاملها مع القضايا الحقيقية للمواطن المغربي كما أن على النخبة السياسية أن تؤهل نفسها وأن تستمد أخلاقياتها من رقي الاهتمام بالشأن العام، كما تستمد شرعيتها من موقعها المجتمعي.
وأخيرا في تقديري الخاص فحكمنا على النـزاهة لا بد أن يرتبط بتقييمنا لمدى الالتزام بقواعد السلوك، والأنظمة، والقوانين من كافة العناصر الفاعلة في العملية الانتخابية بدأً من، اللجنة المشرفة على الانتخابات، المرشحين وأحزابهم، الناخبين، المجتمع المدني والدولة، وأرى أن العنصر الأخير، هو من أهم عناصر العملية الانتخابية المقبلين عليها سواء في المرحلة الثانية للانتخابات الجماعية، أو الانتخابات التشريعية القادمة.
++++++++++++++++++++++++++++++
بن يونس المرزوقي/ أستاذ القانون الدستوري
الأحزاب التي تعتمد على السماسرة ترفع شعارات مناقضة لسلوكاتها
+++++++++++++++++++++
- مع الإعلان عن أي موعد انتخابي جديد، تطفوا إلى السطح ظاهرة "وسطاء الانتخابات" الذين يؤثرون بشكل مباشر على إرادة الهيئة الناخبة، ويوجهونها حسب إراداتهم لفائدة أشخاص معنيين، مقابل أقساط مالية يتم التوافق بخصوصها مسبقا، كيف تقيم هذه الظاهرة؟
+ إن ظاهرة الوساطة في الانتخابات، ظاهرة معقدة يتقاطع فيها الصالح مع الطالح. فأن يكون لدينا مثلا هيئات منظمة وتابعة للأحزاب السياسية تقوم بهذا الدور بشكل علني ودون مقابل مادي، فهذه مسألة معقولة. لكن أن تتحول الوساطة بمعناها النبيل إلى سمسرة بالمفهوم التجاري القائم على البيع والشراء، فذلك ما لا يمكن قبوله.
إن التصويت عملية مقدسة، ناضلت الشعوب من أجل الحصول عليه وتعميمه من أجل اختيار أفضل من يمثلها، وبالتالي لا يمكن تحويله إلى سلعة بالمعنى الاقتصادي أي خدمة مؤدى عنها.
لقد انتشرت هذه الظاهرة بالمغرب لأسباب عديدة، أهمها الفساد الانتخابي الذي ساد لعقود، وتدني مستوى المنتخَبين، وجريهم وراء الامتيازات... لذلك ليس غريبا أن يندمج الناخب في اللعبة فيبحث بدوره عن مقابل مادي ظرفي.
إن الانتخابات تسمى حرة ونزيهة إذا لم يشبها أي تزوير من جهة الإدارة، وأن يعبر الناخب بواسطة ورقة التصويت بكل حرية، دون أن يضع نصب أعينه أي ضغط مهما كان نوعه. ورغم أن البعض يعتبر الحاجة أخطر ما يمكن أن يؤثر على الإرادة، فإنه ينبغي أن نلاحظ أن هناك مجتمعات أخرى يسود فيها الفقر بشكل أوسع لكنها لم تسقط في فخ تمييع التصويت.
- هل يمكنكم تحديد الآثار السلبية التي يمكن أن تلحقها هذه الظاهرة بمستوى النزاهة الانتخابية المطلوية؟.
+ أعتقد أن الآثار السلبية التي تلحقها هذه الظاهرة تمس مستويين: المستوى الأول يتمثل في المس بشكل واضح في نزاهة العملية الانتخابية. فالناخب لم يعبر عن إرادته ولكنه باعها وقبض الثمن، وبالتالي فالاقتراع هنا لم يكن حرا ولا نزيها، بل وستكون الحصيلة كارثية بصفة عامة، لأننا سنكون أمام هيئة تمثيلية مغشوشة: فقلب الناخب في جهة وتصويته في جهة أخرى. لذا فإن كلما يتعلق بالترشيح والحملة الانتخابية، والإقناع والتأطير سيتراجع لتحل محله السمسرة، البيع والشراء،الامتيازات.... وهذا لن يسمح للبلاد بالتقدم في الاتجاه الصحيح.
لكن الأخطر من كل هذا، هو المستوى الثاني الذي يهم ما بعد الاقتراع، حيث أنه مرة أخرى سيحرم الناخب نفسه من حقه في محاسبة المرشح الفائز. فلا يمكنه أن يلومه أو حتى أن يسأله أو يطلب منه خدمة أخرى، لأن الناخب/البائع قد قبض الثمن، والمنتخَب/المشتري أصبح حرا في البضاعة التي اشتراها.
ولنلاحظ كيف أن تردد الناخب على المنتخَب أو العكس عادة ما يكون في المراحل الأخيرة من الولاية الانتخابية من أجل التحضير للاستحقاقات القادمة. وهكذا ندخل دوامة تنزع عن الاقتراع كل مصداقيته.
-هناك منتخبين من كافة الأحزاب السياسية استفادوا من خدمات هؤلاء (سماسرة الانتخابات) مع أن أحزابهم ترفع شعارات مناقضة لسلوكاتهم على أرضية الواقع الانتخابي، كيف تقيمون من جانبكم هذا التناقض؟
+ بالنسبة لاستفادة أغلب الأحزاب المغربية من خدمات "سماسرة الانتخابات" يمكن إرجاعها إلى أن المرحلة الحالية تتميز بالرغبة في إثبات الذات نظرا لطبيعة المرحلة الانتقالية. فالأحزاب التي كانت تستفيد من التزوير سابقا تريد أن تثبت أن نتائجها هي نفسها وبالتالي فإنها كانت ولا تزال ضمن أية ترتيبات يتم تحضيرها للمستقبل. وأما الأحزاب التي كانت تعتمد على الإقناع في جلب الأصوات، فإن مشاركتها في الحكومة بدأت تنزع عنها مصداقية خطابها نتيجة عوامل عديدة، لذا لم يصبح أمامها إلا الاستمرار في التواجد على الساحة بكل الطرق الممكنة. وطبعا فإنه لا يمكن تعميم هذه الأفكار لأن الواقع معقد بشكل كبير: فالمرشح المناضل داخل حزب معين أكثر انضباطا من المرشح المستورد من حزب آخر أو من الحياة الاقتصادية...
ويمكن أن نخلص إلى أن التناقض الذي قد يقع فيه حزب ينبذ ظاهرة اللجوء إلى سماسرة الانتخابات، يكمن في أن التركيز لحد الآن يتم على "استعمال المال" لكن لا زال الحديث محتشما بخصوص "استعمال الخدمات" ( الانتقالات، تسوية الأوضاع الإدارية، شراء أدوية، أضحية العيد....)، وهي كلها خدمات يمكن أن يدرجها الطرف المعني ضمن الخدمات الاجتماعية أو الإنسانية أو حتى البر والإحسان.
- هناك مجموعة من أعوان السلطة ورجالاتها تورطوا خلال الانتخابات العامة المباشرة الأخيرة، لقيامهم بدور الوساطة لفائدة بعض الألوان السياسية، كيف تنظرون من جانبكم لهذه الحالات؟
+ بخصوص أعوان السلطة ورجالاتها الذين يقومون بدور الوساطة الانتخابية، يمكن القول أن الأمر يتعلق بظاهرة خطيرة بل إنها أحد المعوقات التي تحول دون الحصول على مستوى أعلى من النزاهة. إن الدستور المغربي يجعل الإدارة موضوعة رهن إشارة الحكومة أي أنها تنفذ السياسة الحكومية. لكن الواقع أثبت أن هناك خللا تنظيميا وسياسيا موروثا يتمثل في أن العمال مثلا رغم أنهم مندوبين عن الحكومة وممثلين للملك في العمالات والأقاليم، فإن وظيفتهم الأساسية لا تسير في هذين الاتجاهين معا، لدرجة أنه يمكن القول أن الإدارة ليست تحت تصرف الحكومة، وأن لها قواعدها المستقلة التي تحكمها. وتبعا لذلك، فإن أي تدخل من جانب الإدارة يجب أن تتم محاربته بصرامة من قبل الدولة نفسها، لأن هؤلاء يشوهون سمعتها من جهة، ويعيقون تطور النظام ليصل إلى مستوى خطاباته الرسمية بخصوص النزاهة والشفافية.
- ما هي السبل الكفيلة بالحد من هذه الممارسات المرضية التي من شأنها التأثير على إرادة الكتلة الناخبة، والإساءة لشفافية العملية الانتخابية بالمغرب؟
+ إن التخلص من هذه الظاهرة، يقتضي برنامجا طويل الأمد. لكن هناك بعض التدابير التي يمكن الشروع في تطبيقها ما دامت لا تتطلب أية ميزانيات.
فمن جهة أولى ينبغي سن نصوص قانونية أو إضافة بنود إلى القوانين الانتخابية الحالية تسمح للمجتمع المدني أن يتدخل عبر كل المراحل من خلال جمعياته وشبكاته تعزيزا لمصداقية الاقتراع، بل والسماح لها بأن تكون طرقا في كل القضايا التي تمس سير الاقتراع سواء أمام الهيئات الإدارية أو القضائية أو الإعلامية.
ومن جهة أخرى، ينبغي الشروع في عقلنة وضعية المنتخَب (خاصة البرلماني) من خلال تقليص الحصانة إلى أقصى حد ممكن، وتخفيض الرواتب والمعاشات وتعويض ذلك بوسائل العمل (الهاتف، الفاكس، أنترنيت، مقرات عمل ...)، وأخيرا فإن ربط علاقة مباشرة بين الولاة والعامل والحكومة كفيلة بخلق انسجام في الفريق المشرف على الانتخابات.