الروائي والسيناريست يوسف فاضل في روايته الجديدة "قط أبيض جميل يسير معي" إلى اقتحام عوالم القصر لأول مرة في تاريخ الرواية المغربية




صوت الصحافة:  


بعد استكناهه لعوامل المهمشين، والمشردين، والباغيات، وأصحاب العاهات، والحشيش، والجنود، وطرقه أساليب سردية مختلفة في رواياته السابقة: "الخنازير"، و"أغمات"، و"سلستينا"، و"ملك اليهود"، و"حشيش"، و"ميترو محال"، و"قصة حديقة الحيوان.


ينتقل الروائي والسيناريست يوسف فاضل في روايته الجديدة "قط أبيض جميل يسير معي" إلى اقتحام عوالم القصر لأول مرة في تاريخ الرواية المغربية، ويتحدث عن مهرج الملك، والصحراء، والجيش، والجنرال، والاستبداد، والسلطة، عوالم لم يسبق طرقها في الرواية المغربية، ولجها فاضل بغير كثير من الهيبة، لأنه ركز حديثه في الرواية على المهرج في جميع لحظات معيشه واشتغاله كمؤنس للملك، الذي يغيب في الرواية، في الوقت الذي يغادر المهرج أبواب القصر، ويعيش في عزلة تامة، لأن حياته لم يعد لها أي معنى في غياب السلطة، والنفوذ، والجاه، والمال، تاركا القارئ متعطشا للرواية، التي لم تشف غليل فضوله، ولم تسلط الضوء إلا على ما قبل الكاتب إنارته والكتابة عنه.

"قط أبيض جميل يسير معي"، عنوان غريب لرواية كان من الأجدى أن تحمل عنوان "مهرج الملك" أو "المهرج" قصدا، لكن يوسف فاضل كعادته فضل العنوان، الذي اقترحه عليه صديقة وقارؤه الأول، القاص أحمد بوزفور، متنازلا عن عنوانه الأصلي "أحد عشر يوما"، الذي وضعه هو، كما قال، وهي الأيام، التي يستغرقها زمن الرواية العددي بالأيام، وليس السنين، لأن الرواية تتحدث عن فترة غير يسيرة من حكم الملك الراحل الحسن الثاني، وتحديدا 27 سنة من ملازمة المهرج لجلالته في القصر. كما يبدو أن "دار الآداب" البيروتية، الصادرة عنها الرواية، لم تتدخل في عنوان الرواية كعادتها، وتركت الحرية للكاتب، الذي اقتنع باقتراح صديقه بوزفور، الذي استخلص هذا العنوان من جملة في الرواية، وعللها بآية قرآنية تتحدث عن القط، وتعطيه معنى "الحظ"، وهي الآية التي تقول "وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب"، وهو التبرير الذي لم يستسغه بعض الحضور، وجعل الناقد بشير القمري ينتفض محذرا يوسف فاضل من عناوين بوزفور الملغومة، وقال له مباشرة بالعامية "غير تبعو راه غيخرج عليك".

وبعيدا عن عنوان الرواية، التي خصها اتحاد كتاب المغرب مساء يوم الثلاثاء الماضي، بلقاء احتفائي بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، قدم كل من الكتاب والنقاد محمد برادة، ومحمد الأشعري، وحسن نجمي، وعبد الكريم الجويطي، قراءات في هذه الرواية "الجميلة والمدهشة" بشهادة الجميع، فيما غاب عن اللقاء القاص أحمد بوزفور، الذي كان لغيابه حضور قوي، لأن سيدة مسنة قدمت للبحث عنه، وظلت طيلة اللقاء تبحث عنه وتتساءل عن جدوى هذه القراءات، التي غادرتها غير آسفة ما دام بوزفور، كما قالت، كانت له اليد الطولى في مصيرها المخبول.

وفي تقديمه لهذا اللقاء، شكر عبد الرحيم العلام، رئيس اتحاد كتاب المغرب، الكاتب يوسف فاضل، الذي جمع ثلة الكتاب تلك، التي تتكون من رؤساء سابقين للاتحاد، للاحتفاء بروايته الثامنة، التي يواصل فيها المراهنة على التجديد والتنويع، سواء على مستوى المواضيع، أو طرائق الكتابة السردية، رواية يوظف فيها فاضل الكتابة المشهدية، والسخرية، ولج القصر، من خلال استيحاء شخصية المهرج، الذي يعد الوجه الآخر للملك.

الناقد محمد برادة أشار إلى أن رواية "قط أبيض جميل يسر معي" ليست هي الرواية الجديدة ليوسف فاضل، لأنه بصدد قراءة رواية أخرى له لم تصدر بعد، وهو ما يدل على حيوية الكاتب، الذي يراوح بين كتابة السيناريو، والرواية، والمسرح، مؤكدا أن رواية فاضل المحتفى بها تتميز بنثرية خاصة، وصوغ لغوي يوظف الجمل القصيرة والكلام الدارج، وتقدم نوعا من النضج في تجربة فاضل الروائية، التي تقدم عملا استثنائيا لا يكمن في الأحداث أو موضوع الرواية، بل في صنعتها وقدرة كاتبها على التخييل.

من جهته، اعتبر الكاتب محمد الأشعري رواية فاضل الجديدة رواية مدهشة وجميلة، وأول رواية مباشرة عن العهد السابق، إذ لا يمكن قراءة الرواية، برأيه، "بعيدا عن مهرج نعرفه جميعا، وعن عهد خبرناه".
وأضاف الأشعري أنه رغم العلاقة المرئاوية، التي يقدمها المؤلف في هذه الرواية بين المهرج والمستبد، ومحاولة أنسنة الحكم من طرف المهرج عن طريق الطرب والسخرية، والضحك، حيث يصبح التهريج استبدادا، والاستبداد تهريجا، فإن القارىء لا يجد في الرواية إلا ما قرر الكاتب تسليمه، لأن خيوط الحكاية لديه تلعب بالزمن، وتجعله قريبا حينما يدفع بالشخصيات إلى السطح، ويجعله بعيدا حينما يوظف أجوار ألف ليلة وليلة.

وأوضح الأشعري أن الكاتب يوسف فاضل بطرقه لهذه الأساليب الحكائية، لا يرغب في أن "نتوقف عند شخصية الحاكم، بل أن نقف عند المهرج، الذي نتعرف من خلاله على سطوة الاستبداد، وعلى شخص يمتهن الضحك ويبيعه، وينقل الحاكم إلى أخبار الحمقى والمغفلين، وينتزع منه ضحكة صعبة"، مشيرا إلى أن الضحك هو البضاعة الصعبة، التي يلجأ فيها المهرج إلى حفظ المقامات، والأخبار، وغيرها من الأشعار، التي تبوئه مكانة مهمة في الدولة كالوزراء، وتجعله يحظى بعلاقة خاصة مع الملك، ويقتحم عليه خلواته، ويدخل غرفة نومه.

وأضاف الأشعري أنه "رغم محاولات الكاتب يوسف فاضل طمس الواقع وتهويمه في الرواية، فنحن جميعا نعرف المهرج وقضية تبرؤه من ابنه، الذي اعتقل لسنوات عديدة"، إذ لا يمكن قراءة الرواية بعيدا عن تلك الوقائع، التي مازالت ماثلة أمامنا، وتجرأ فاضل على الكتابة عنها.

أما الكاتب حسن نجمي فقدم يوسف فاضل من زاوية مختلفة، وفضل الاقتراب من الكاتب والإنسان بطريقته الخاصة، من خلال رسم بروفايل جميل لفاضل، ينقل المتتبع من طفولته، إلى شبابه بدرب اليهودي بدرب السلطان بالدارالبيضاء، وتعلمه الكتابة في الشارع، بعد تجربة ستة أشهر مريرة في السجن.

وأضاف نجمي أن الجميل في فاضل هو احتفاظه على شخصيته الطفولية في كتاباته، وعلى عفويته، ودهشته الدائمة، التي تمكنه من الكتابة، والتعبير عن ذاته بجمل قصيرة، ولغة مقتضبة ومعبرة، مشيرا إلى أن ثمة شجاعة نادرة في كتابات يوسف فاضل، التي غالبا ما يشتغل فيها على محكي صغير، لكنه يمنحه عمقا استثنائيا، قائلا "الشجاعة لا تكمن في أن تقترب الكتابة عن دار المخزن، بل في تفكيكها لهذه الدار والهزء منها".
وأكد نجمي أن يوسف فاضل هو الكاتب المغربي الأكثر تعبيرا عن غريزة الكتابة، مندهش على الدوام، فيه روح طفولية تطرح أسئلة بسيطة من مثل ما الذي يحدث هناك؟
وتحت عنوان "يوسف صديق الرواية المغربية" تحدث الكاتب عبد الكريم الجويطي عن الكاتب المحتفى به، وقال إن الرواية المغربية تدين له بأعمال متميزة، إذ أنه أوصلها إلى أراض بكر، دخل بها إلى القصر، والصحراء، والجيش، وهي مواضيع كانت من الطابوهات، ولم يكن بإمكان الكاتب تناولها، منذ عشر سنوات.

وأوضح الجويطي أن روايات فاضل تندرج في إطار الرواية الشطارية، التي لا تطلب شخوصها إلا مكانا تحت الشمس، وخبزا نظيفا، معتبرا أن فاضل كتب عن كل شيء، وأنه كان من اللازم أن يكتب عن المهرج، الذي تتناوله الرواية الغربية داخل السيرك، عكس الرواية العربية، التي مازال فيها الحاكم يلجأ إلى أكسيسوارات استبداده، من ضمنها المهرج.

وفي نهاية هذا اللقاء، قرأ يوسف فاضل نصا جميلا تحدث فيه عن مخاض الكتابة، وعن تمرد شخوص الرواية على الكاتب، وتسلم ملصق اللقاء من محمد برادة، وشهادة الاتحاد من محمد الأشعري، وهدية قيمة من المكتبة الوطنية للملكة المغربية، التي خصته بهذا الاحتفاء إلى جانب اتحاد كتاب المغرب