حزب النور المصري يقول "إن مسّ أي شعرة من أي مسيحي يتناقض مع برنامجنا"


صوت الصحافة:    


 أكد مسؤولون في أحزاب سلفية تشير النتائج الأولية غير الرسمية إلى أنها ستحقق اختراقًا في أول انتخابات تشريعية بعد الثورة، أنهم "لن يمسّوا شعرة واحدة" من أي مسيحي في مصر. كما سيتعين على الإخوان طمأنة المصريين إلى أنهم سيحترمون الحريات العامة ويسعون إلى إقامة دولة مدنية ديموقراطية.

سلفيو مصر يحاولون تهدئة هواجس الأقباط الناتجة من فوز متوقع للإسلاميين في الانتخابات
القاهرة: قال المتحدث باسم حزب النور المصري، محمد نور، في مقر الحزب في القاهرة "إن مسّ أي شعرة من أي مسيحي يتناقض مع برنامجنا". ويخشى المسيحيون المصريون، الذين يراوح عددهم بين 6% و10% من عدد سكان مصر، البالغ 81 مليونًا، من أن يؤدي صعود السلفيين إلى الإضرار بحقوقهم.
وأضاف محمد نور أن مصر "بلد إسلامي، وتطبّق فيها الشريعة الإسلامية منذ 1300 سنة" والأقباط (مصريون اعتنقوا المسيحية قبل دخول الإسلام إليها) استطاعوا دومًا أن "يعيشوا فيها سعداء".
وتشير النتائج الأولية غير الرسمية للانتخابات إلى أن حزب النور السلفي ربما يحصل على أكبر كتلة برلمانية بعد الإخوان المسلمين. وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات مساء الخميس عن إرجاء إعلان نتائج المرحلة الأولى للانتخابات إلى الجمعة بسبب استمرار عمليات فرز الأصوات في مقار انتخابية عدة.
وحرص رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، وهي حركة سلفية أخرى تشارك في الانتخابات التشريعية، عصام دربالة على طمأنة المسيحيين كذلك. وأكد دربالة أن حزبه يريد للدستور الجديد أن "يحفظ الهوية الإسلامية لمصر، ويحفظ حقوق غير المسلمين".
وأضاف إن "الأحزاب السلفية قريبة من الشعب بسبب الأعمال الخيرية"، التي تقوم بها، ودان "حملات التشوية التي يشنّها الليبراليون" ضد السلفيين.
السلفية  تيار إسلامي سنّي متشدد يعزز وجوده في مصر
إلى ذلك، تتبنى الحركة السلفية، التي ينتمي إليها "حزب النور"، الذي حقق حسب النتائج الأولية اختراقًا في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية، التي جرت الاثنين والثلاثاء، فكرًا سنيًا متزمتًا وتفسيرًا متشددًا للشريعة الإسلامية.
والسلفية منهج إسلامي قديم، يدعو إلى فهم الكتاب والسنة بفهم "السلف الصالح"، وهم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين، باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل، والتمسك بأخذ الأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة، ويبتعد عن كل المتدخلات الغريبة عن روح الإسلام وتعاليمه، والتمسك بما نقل عن السلف.
ويمكن التعرف إلى السلفيين بسهولة من الجلباب الأبيض واللحى الكثيفة مع شارب حليق، فيما ترتدي المرأة النقاب الكامل، الذي لا يظهر منه سوى عيناها. وتمثل السلفية في جانبها المعاصر مدرسة من المدارس الفكرية الحركية السنية، التي تستهدف "إصلاح" أنظمة الحكم والمجتمع والحياة عمومًا تماشيًا مع رؤيتهم.
تشير مصادر إلى أن السلفية برزت بمصطلحها هذا على يد الإمام أحمد بن تيمية في القرن الثامن الهجري، قبل أن يقوم بإحيائها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري أو التاسع عشر الميلادي. وانطلق التيار السفلي في مصر من مدينة الإسكندرية الساحلية، لينتشر منها إلى باقي المحافظات المصرية.
ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى إيمان السلفيين بالعمل الجماعي، أي تحقيق التعاون على البر والتقوى العلني، المنظم، وتأصيلهم الشرعي له، مع تقديم الدليل الشرعي في كل شؤونهم.
ولعل طبيعة العمل السلفي، الذي ابتعد طويلاً عن غمار السياسة ومعاركها، جعل اهتمام السلفيين موجّهًا بالأساس إلى تربية أفرادهم، ورفع مستواهم العلمي الشرعي. فمنذ نشأتها في مصر في بداية سبعينيات القرن الماضي، كان عمل "الدعوة السلفية" منصبًا بالأساس على نشر منهجها ودعوة الناس إلى الالتزام بالعبادات وأحكامها، والتقرب إلى الله، فكانت المساحة الأكبر من نشاطهم دعوية بالأساس من خلال الدروس والندوات والدورات العلمية.
وفي أعقاب ثورة 25 من يناير، التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، أسست مجموعة من الشباب المتعلمين في "الدعوة السلفية" من تخصصات شتى مهنية وعلمية حزب "النور"، وعملت سريعًا من خلال دعم شيوخ الإسكندرية على تقويته جماهيريًا، وتعريف الناس به، عبر عدد كبير من المؤتمرات التي أقاموها في كل محافظات الجمهورية تقريبًا.
يتزعم هذا الحزب التحالف الإسلامي، الذي يغلب عليه التوجّه السلفي، والذي تشكل في أعقاب خروجه من "التحالف الديمقراطي"، الذي أسسه حزبا "الحرية والعدالة" ـ ذراع الإخوان السياسية و"الوفد". وحصل هذا الحزب على أكبر عدد من الأصوات لمصلحته في محافظات كفر الشيخ والفيوم والإسكندرية بحسب النتائج الاولية.
نجاح كبير مفاجئ للسلفيين في الانتخابات المصرية
هذا وتعلن اللجنة العليا للانتخابات الجمعة النتائج الرسمية للمرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية، التي يتوقع أن تؤكد الفوز الواسع لجماعة الإخوان المسلمين، اشارت كل النتائج الاولية الخميس إلى تقدم كبير ايضًا لحزب النور السلفي. وتحدثت كل الصحف تقريبًا عن "المفاجأة" الحقيقة التي فجّرها النور في هذه الانتخابات الأولى في مصر بعد سقوط الرئيس السابق حسني مبارك لانتخاب أعضاء البرلمان الجديد الذي سيكلف باختيار اللجنة التي ستضع الدستور المقبل للبلاد.
عنونت صحيفة الشروق المستقلة "النور مفاجأة المرحلة"، بعدما أشارت التقديرات الصحافية الى حصولة على 20 % من الأصوات، أي تقريبًا النسبة نفسها التي سجلتها الكتلة المصرية (ليبرالية)، وان كان اقل بكثير من الاخوان المسلمين، الذي يتجهون إلى فوز كاسح.
وكان النور متحالفًا مع حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للاخوان المسلمين، قبل أن ينفصل عنه ليشكل التحالف الإسلامي. ويدعو النور الى تطبيق الشريعة في كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. في حين ذكرت صحيفة الاهرام الحكومية أن "السلفيين يفجّرون مفاجأة ويتفوقون على الحرية والعدالة في دوائر عدة".
وكان الاخوان المسلمون، الذين يخوضون هذه الانتخابات للمرة الاولى تحت راية حزب سياسي شرعي، قد اعلنوا منذ الخميس عن فوزهم باكثر من 40 % من الاصوات في هذه الانتخابات التي شهدت اقبالاً غير مسبوق في البلاد. واشاروا ايضًا إلى أن المركز الثاني يحتله بالتساوي حزب النور السلفي مع الكتلة المصرية الليبرالية.
وتشير التقديرات الصحافية إلى أن النور، الذي تأسس في الاسكندرية بعد ثورة 25 يناير التي اطاحت بالرئيس حسني مبارك، سيحصل على 20 % من الاصوات في هذه المرحلة الأولى من عملية انتخابية تمتد على أربعة اشهر. واعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات القاضي عبد المعز ابراهيم عن تأجيل اعلان النتائج الرسمية للمرحلة الاولى للانتخابات الى الجمعة بدلاً من مساء الخميس، بسبب استمرار عمليات فرز بطاقات الاقتراع في مراكز انتخابية عدة.
وقبل اعلان النتائج الرسمية، طالب الإخوان بأن تكون القوة الرئيسة في البرلمان هي التي تشكل الحكومة الجديدة. وتثير فكرة برلمان خاضع لهيمنة تحالف بين الإخوان والسلفيين الأوساط المدنية العلمانية والأقلية القبطية. وقال حسن نافعة استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة في مقال نشرته صحيفة الشروق "الخوف اذا هيمنت التيارات الإسلامية على البرلمان، فإنها قد تؤدي إلى نظام ليس ديموقراطيًا، واستبدادي بملامح دينية أو ديني قمعي أو يميني عنصري". واضاف "رأينا أنواعًا كثيرة من الاستبداد يتخفى تحت عباءات ايديولوجية مختلفة، ولا نريد استبدال استبداد مبارك بنظام استبدادي ديني".
الا ان هذا التحالف بين الحرية والعدالة لا يبدو متوقعًا، إذ إن النور كان انسحب من التحالف الديموقراطي بقيادة الإخوان المسلمين، ليشكل ائتلافه الإسلامي مع بعض الأحزاب السلفية الأخرى مثل "الأصالة". ويدعو السلفيون إلى تطبيق الشريعة في كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهم أكثر تشددًا من الإخوان المسلمين.
وحرص قياديون سلفيون الخميس على طمأنة المسيحيين مؤكدين انهم "لن يمسوا شعرة واحدة من اي مسيحي مصري". فأكد رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، وهي حركة سلفية أخرى تشارك في الانتخابات التشريعية، عصام دربالة، لفرانس برس ان حزبه يريد للدستور الجديد أن "يحفظ الهوية الإسلامية لمصر، ويحفظ حقوق غير المسلمين".
وبموجب إعلان دستوري اصدره المجلس العسكري الحاكم في 30 اذار/مارس الماضي، سيقوم مجلس الشعب باختيار لجنة من مئة عضو لوضع دستور جديد للبلاد. واذا استمرت اتجاهات الناخبين كما هي في المرحلتين التاليتين، فإن الإخوان المسلمين سيصبحون القوة السياسية الأولى في مصر بعدما كانوا موضع حظر وقمع لعقود.
وبعد تفجر ثورات الربيع العربي أصبح الإسلاميون الفائز الأكبر في الانتخابات، التي جرت أخيرًا في تونس والمغرب. وتجري الانتخابات في مصر وفقا لنظام مختلط يجمع ما بين القائمة النسبية والدوائر الفردية، اذ يتم انتخاب ثلثي الاعضاء بالقوائم والثلث الاخير بالنظام الفردي.
وجرت الجولة من هذه الانتخابات بنجاح ودون مشاكل خطرة بعد عشرة ايام من التظاهرات الحاشدة المعادية للحكم العسكري في ميدان التحرير والتي تخللتها صدامات اوقعت 42 قتيلا واكثر من ثلاثة الاف جريح.
إخوان مصر أمام اختبار السلطة قريبًا
سيؤدي فوز الإخوان المسلمين في أول انتخابات تشريعية بعد سقوط نظام مبارك إلى تعزيز وجودهم على الساحة السياسية، ولكنه سيضعهم في الوقت عينه امام اختبار السلطة الصعب. وبعد قرابة عشرة اشهر من سقوط مبارك، الذي تولى السلطة لمدة 30 عامًا، تزاحم المصريون الاثنين والثلاثاء على صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان جديد، مطلقين بذلك عملية الانتقال الى الديموقراطية.
وقال حزب الحرية والعدالة إنه يأتي في المقدمة خلال المرحلة الاولى لانتخابات مجلس الشعب، التي تجري على ثلاث مراحل، تشمل كل منها تسع محافظات، وينتظر ان تنتهي في منتصف كانون الثاني/يناير. وسيقوم مجلس الشعب الجديد باختيار لجنة من مئة عضو لوضع دستور جديد للبلاد.
واكدت جماعة الاخوان المسلمين حتى قبل الانتخابات ان الاغلبية البرلمانية يجب ان تكلف بتشكيل الحكومة في البلاد التي يتولى المجلس الاعلى للقوات المسلحة مقاليد الحكم فيها منذ تنحية مبارك.
واثارت فكرة سيطرة الاسلاميين على البرلمان، بعد فوزهم في المغرب وتونس، مخاوف الليبراليين كما سببت قلقا شديدًا للأقباط. غير ان الاخوان المسلمين يمكن أن يضطروا للتعامل مع السلفيين، وهم أكثر تشددًا منهم، الذين حققوا اختراقًا انتخابيًا غير متوقع. وقالت رباب المهدي استاذة العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في القاهرة "انها فرصة ممتازة لاختبار الجماعة. فعلى مدى سنوات، كان الاخوان يدلون بتصريحات يؤكدون فيها ان الحرية لا تتناقض مع الدين، ولكنهم لم يختبروا مطلقًا".
وحصول الإخوان على أكبر كتلة برلمانية يمنحهم رسميًا الشرعية، التي يطالبون بها منذ سنين، ولكنه في الوقت نفسه فان مصداقيتهم قد تهتز اذا ما اصبحوا جزءًا من برلمان ضعيف في مواجهة مجلس عسكري يحتفظ بكل الصلاحيات.
واضافت رباب المهدي "سيضطرون لخوض معركة من اجل انتزاع الصلاحيات الكاملة للبرلمان، وسيحققون ذلك بسهولة اكبر، اذا ما تحالفوا مع الليبراليين"، مشيرة الى ان "الليبراليين على المستوى الاقتصادي اقرب بكثير الى الإخوان من أي حزب إسلامي". لكن قبل كل شيء يتعين على الإخوان المسلمين الانتهاء من مهمتين رئيستين: الأولى طمأنة المصريين إلى أنهم سيحترمون الحريات العامة وسيحترمون تعهدات حزبهم، الحرية والعدالة، بالعمل على إقامة "دولة مدنية ديموقراطية، لا تقوم على أساس ديني، وتحترم حقوق الإنسان".
كما سيكون عليهم من جهة أخرى، تأكيد دور البرلمان السياسي في مواجهة المجلس العسكري. غير ان الجيش، الذي يمتلك أراضي كثيرة واستثمارات في العديد من المجالات، لن يتخلى بسهولة عن مصالحه الاقتصادية، وفقًا للاستاذ المساعد العلوم السياسية في جامعة كنت، جوشوا ستاتشر. ويعتقد ستاتشر ان "هيكلية السلطة لن تتغير ما لم يتم إبعاد الجيش عن الاقتصاد".
وتم حظر جماعة الاخوان المسلمين في العام 1954، لكنها تمتعت بحرية حركة نسبية في ظل حكم الرئيس السابق انور السادات، ثم طوال عصر مبارك. لكن في بلد ثار شبابه للمطالبة بالعدالة الاجتماعية، وبشروط حياة افضل، فإن الحكم على الإخوان المسلمين سيكون بناء على أدائهم الاقتصادي.