ربما ظن فلاديمير بوتين أن التلاعب بنتائج انتخابات الشهر الماضي مجرد تجربة للرئاسية بعد 3 أشهر. لكن المظاهرات التي اجتاحت روسيا تتحول بسرعة الى «ثورة» عليه... وهذه المرة بمشاركة فعّالة من الطبقات البرجوازية المهمة. على أن مستشارا سابقا له يحذّر من ردة فعل «الجبار المنتقم».
لندن: منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي منحت الشهر الماضي حزب «روسيا المتحدة» بزعامة فلاديمير بوتين أغلبية مقاعد البرلمان، ارتفعت الاصوات عالية تندد بتزوير حكومي واسع النطاق. وحتى «الشيخ الرزين» ميخائيل غورباتشوف خرج عن صمته الطويل في ما يتصل بالشؤون السياسية الداخلية وطالب الكرملين بإعادة إجرائها، وعاد مجددا ليعلن صراحة وفي خطوة غير مسبوقة أن أسلوب بوتين في القيادة «مدعاة للخجل».
متظاهرو الكوندوم
على أن بوتين نفسه لم يعر أصحاب تلك الأصوات حتى مجرد التفاتة. وحتى عندما خرج آلاف المتظاهرين الى شوارع المدن الروسية في الرابع من الشهر الحالي يطالبون بالعدالة الانتخابية، لم تتجاوز ردة فعله ازدراءهم ووصفهم بأنهم «مأجورون من قبل قوى أجنبية» وأن الشرائط التي كانوا يرتدونها «أشبه ما تكون بالعازلات الطبية (الكوندوم)».
ولو ان رئيس الوزراء كان يأمل أن تذهب تلك الأصوات أدراج الرياح فقد خاب ظنه. ذلك أن عدد الذين تظاهروا في موسكو وحدها السبت الماضي قُدّر بما بين 80 إلى 100 ألف شخص رفعوا شعار «روسيا ستصبح حرة» وتعمّد قسم منهم عازلات طبية منفوخة كالبالونات. وان هذا تجمعا لم تشهد العاصمة الروسية مثيلا له منذ 20 عاما عندما غابت شمس الامبراطورية السوفياتية.
البرجوازية ضد الدولة الإقطاعية
مجلة «ايكونوميست» البريطانية تابعت الأحداث ونقلت عن متظاهر مالك مزرعة من اقليم كالوغا، غرب روسيا، يدعى سيرغي شاشكو (53 عاما) قوله: «هذه ثورة البرجوازية على الدولة الإقطاعية. يفتقر الناس اليوم للمال في جيوبهم ولذا فهم يتطلعون الى وضع مختلف تماما عن هذا. قرروا أنهم أخذوا الكفاية من محاولاتهم التماس العون في مكاتب البيرقراطيين فقط ليتم تجاهلهم في أفضل الأحوال أو يُطرودون منها ركلاً بالأحذية في الأسوأ».
ووفقاً لرومان دوبروخوتوف (28 عاما)، وهو صاحب مدونة إلكترونية شخصية متخصصة في انتقاد الكرملين، فإن احتجاجات اليوم تكتسب أهمية خاصة. وتنبع هذه الأهمية من إعلان بوتين في سبتمبر / ايلول الماضي نيته العودة الى سدة الرئاسة في انتخابات مارس / اذار المقبل «بعدما أزاح له الدمية ديمتري مدفيديف، بولايته المصطنعة، العائق الدستوري أمام تحقيق امنيته.
لا شك في انه اعتبر الانتخابات التشريعية بروفة للرئاسية التي ستحمله الى كرسي الرئاسة».
المتظاهرون حملوا عازلات طبيّة منفوخة رداً على استهزاء بوتين يهم |
ويمضي قائلا إن الاحتجاجات التي تشهدها البلاد الآن ليست على غرار التقليدية التي شهدتها منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. فهي لا تتأتى فقط من المثقفين الشيوعيين والعمال وأرباب المعاشات والباكين على الماضي المفقود وغيرهم من القطاعات المغلوبة على أمرها.
«هذه حركة قوامها الأكبر أناس في ثلاثيناتهم وأربعيناتهم ممن يتمتعون بالسيارة الجديدة والملبس الأنيق والهاتف الذكي... أي «البرجوازيون» بكلمة واحدة. وهؤلاء يعلمون أن بوسعهم اختيار أي موديل يشترون، لكنهم يفتقرون الى أي كلمة عندما يتعلق الأمر بنوع القادة السياسيين في أروقة الدوما (البرلمان) والكرملين».
سيناريو «يوم الحشر»
لكن المراقبين السياسيين في موسكو يتوجسون خيفة حقيقة وعميقة من نوع الانتقام الذي يمكن أن يأتي به بوتين ردا على تجاسر المتظاهرين على طموحاته السياسية وبرنامج عودته الى الرئاسة.
ونقلت «ديلي ميل» البريطانية عن أندريه إيلاريونوف، وهو أحد كبار مساعدي رئيس الوزراء السابقين، تحذيره من انه سيتخذ في بدايات العام الجديد إجراءات قمعية واسعة النطاق تشمل - على سبيل المثال فقط - فرض حالة الطوارئ من أجل تشبثه بالسلطة.
وفي سيناريو شبّهه المساعد السابق بـ«يوم الحشر»، قال إن بوتين لن يتورع عن اغتيال زعماء المعارضة و/أو تدبير هجمات تحريبية يُلقى فيها باللائمة على «إرهابيين» وتصبح ذريعة لتكميم الأفواه بما فيها وسائل الإعلام والصحافة الحرة، وحظر التجمعات، وربما إلغاء انتخابات مارس الرئاسية نفسها.
ولا يستبعد إيلاريونوف حتى جر روسيا الى صراع خارجي مسلح (في دولة مغضوب عليها مثل جورجيا، أو إقليم متمرد كالشيشان) من أجل صرف الانتباه العام عن المواجع الداخلية والتلاعب بالعملية الديمقراطية. وبالطبع فإن صراعا كهذا سيصبح هو أيضا ذريعة لحظر التجمعات وبالتالي كبت المظاهرات المعادية لحاكم روسيا الفعلي.
ويكتسب هذا السيناريو صدقيته من أنه لا يأتي من جهة لم تعرف بمعارضتها لبوتين، وإنما من شخصية معروفة دوليا هي إيلاريونوف الذي كان أحد كبار مستشاريه الاقتصاديين في ولايته الرئاسية الأولى. وبالتالي فهو يعرف طريقة تفكيره ونوع الوسائل التي سمكن ان يلجأ اليها في وقت الشدة