في مسعىً لوقف زحف التيّار الإسلامي المسيحيّون المصريون يدعمون الليبراليين خوفاً من الإضطهاد

يتّجه المسيحيّون في صعيد مصر، حيث الإنقسامات الطائفية مشتعلة، لمنح أصواتهم لليبراليين. وتشير تقارير إلى أن مسألة التسامح الديني تعد من الأسباب التي تبرّر تخوّف المسيحيين والليبراليين من إحتمالية تشكيل حكومة إسلامية.






يبدو أنّ الإسلاميين في مصر ماضون نحو كسب الأصوات في المناطق الفقيرة والريفيّة في المحافظات التسع التي شهدت على مدار يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين الجولة الثانية من الإنتخابات البرلمانية. لكن المسيحيين، الذين يشكلّون أقليّة في البلاد، اتجهوا أيضاً للإدلاء بأصواتهم، التي ذهبت معظمها للأحزاب الليبرالية، في محافظات صعيد مصر، حيث تشتعل الإنقسامات الطائفية هناك على أشدها.
وحتى قبل الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، كان يشكو المسيحيون، الذين يشكلون نسبة تقدر بحوالي 10 % من الشعب المصري الذي يقدر عدد سكانه بـ 85 مليون نسمة، من تصاعد التمييز والعنف الطائفي ضدهم خلال السنوات الأخيرة، إلى أن تمخّضت الثورة التي شهدتها مصر مطلع العام عن ظهور تيار من الإسلام الراديكالي في أجواء أمنية غير مستقرة محفوفة باليأس الاقتصادي، وهو ما أدى إلى حدوث تزايد كبير في حدة العنف الطائفي خلال الأشهر التي تلت رحيل مبارك.
وعبّر المسيحيون كذلك، وفقاً لما ذكرته اليوم مجلة التايم الأميركية في تقرير لها ضمن هذا السياق، عن شكواهم من أن الحكم العسكري لم يفعل شيئاً يذكر في سبيل إيقاف ذلك. ودلّلت المجلة على ذلك بتلك الأحداث التي عرفت إعلامياً بأحداث ماسبيرو.
وقد التقت التايم العديد من الناخبين المسيحيين في مراكز الاقتراع ببعض المناطق الريفية، وتبين، وفقاً لما قالوه، إنهم صوتوا للأحزاب الليبرالية التي ظهرت بشكل أقوى عقب انتهاء المرحلة الأولى من التصويت، في مسعى منهم إلى وقف زحف التيار الإسلامي.
وقال في هذا الصدد شاب يدعى إبراهيم فارس، 22 عاماً، وهو مواطن مسيحي يقيم في قرية تزمن الغربية، التي تقطنها أغلبية مسلمة وتقع على بعد ما يقرب من 70 ميلاً جنوب القاهرة: "كنت أريد التصويت لصالح حزب الثورة مستمرة، لكنهم حصلوا على 7 % فقط في الجولة الأولى. وهو ما جعلني أصوت لصالح حزب الوفد".
ثم مضت المجلة تلفت إلى حالة التوترات الطائفية التي تعيشها تلك المنطقة التي تعرف بـ "صعيد مصر"، الممتدة من جنوب القاهرة وحتى الحدود مع السودان. ولفتت إلى أن التنافس على الوظائف والموارد هناك، إلى جانب تنامي التحفظ الديني وغياب الحكومة بشكل كبير، كلها عوامل أدت إلى تصاعد العنف خلال السنوات الأخيرة.
وفي الأشهر التي تلت الثورة، شهدت محافظات الصعيد حوادث متفرقة بين حرق كنائس وأعمال شغب محدودة النطاق واعتصامات للإسلاميين أدت في الأخير إلى الإطاحة بمحافظ قبطي كانت الحكومة السابق قد كلفته بتولي المهمة في محافظة قنا.
فيما أكد من جانبه محمد شحاتة، مراقب انتخابي لصالح حزب النور السلفي شديد التحفظ، أن مثل هذه المخاوف مبالغ فيها، وأضاف :" كلنا واحد. ولا تفرقنا الأديان. فرغم أن حزب النور سيسعى إلى تحويل مصر إلى دولة إسلامية، إلا أنه لا يخطط لتغيير الحقوق القانونية للمسيحيين". وفي وقت يزعم فيه الإسلاميون أن كثيرا من المسيحيين صوتوا لهم، نفى الناخبون المسيحيون هذا الادعاء، وقال هنا فارس: "المسيحيون قليلون هنا، لكني متأكد من أن جميعهم سيصوتون مثلي. وأنا أعلم أن المسيحيين سينبذون فكرة الأحزاب التي يتم بناؤها على أساس الدين".
وختمت التايم حديثها بلفتها إلى أن مسألة التسامح الديني تعد من الأسباب التي تبرر تخوف المسيحيين والليبراليين في مصر من احتمالية تشكيل حكومة إسلامية. بالإضافة إلى المخاوف المثارة كذلك بشأن الجانب الاقتصادي، خاصة في ما يتعلق بقطاع السياحة. ونقلت المجلة هنا عن محمد حجو، بائع مسلم في مدينة بني سويف جنوب القاهرة، قوله :" أنا شخصياً قلق على السياحة، لأن السلفيين يريدون إغلاق الشواطئ".