اقرأ رواية "الموريبسكي" ل محمد العربي المساري

محمد العربي المساري ـ تصوير: مصطفى حبيس


صوت الصحافة:   

برواية " الموريبسكي " يطرق مفكر من الجيل الحاضر، باب تاريخ المغرب ليستقرئه، مثل ما فعل من الجيل الأول للرواية المغربية، عبد العزير بن عبد الله في "هضاب الريف"، وعبد المجيد بن جلون في " وادي الدماء"، وعبد الرحمان الفاسي في زيارته العابرة "للكاهنة".
انتقل بنا حسن أوريد عبر " الموريسكي " إلى ما بعد وادي المخازن، ليقوم بإطلالة على المغرب وهو ينتقل من السادس عشر إلى السابع عشر، و يتوسع جنوبا في اتجاه السودان الغربي، ويستقبل فوجا آخر من مسلمي الأندلس، ويعيش - رغم اضطراباته التي لا تهدأ قط، إلا لفترات قصيرة - تجربة فريدة أسسها أحمد المنصور الذهبي لإقامة دولة سبقت إلى فصل الدين عن السياسة الخارجية، وبدلا من الاقتصار على التحرك في المتوسط، أصبحت بعد غزو المغرب للسودان ذات بعد إفريقي، حيث اكتسبت ورقة لملاعبة كبار العالم وقتئذ. ومن خلال التوازن بين العثمانيين وإسبانيا، ابتدع المنصور مفهوم " الواقعية السياسية "، الذي جعل منه صديقا لجيرانه الشماليين، ومتحالفا مع أعدائهم الإنكليز، دون أن يغفل عن مراودة الفرنج والهولنديين، ودون أن يكون عدوا لواحد منهم. يدعونا حسن أوريد إذن إلى أن نشهد كيف تم زرع " الشجرة " الشهيرة.
هذا هو المسرح الذي يأخذنا إليه المؤلف، أما المسرحية فهي فن الحكم كما مارسه داهية هو المنصور الذهبي، مؤسس المخزن المغربي المعاصر. ونرى كيف تعامل الرجل بقساوة احترافية مع من كان وضعهم القدر في منطقة رؤيته. إلا أن هناك بطلا حاضرا في متن الرواية من البداية إلى النهاية، هو مهاجر أندلسي حل بمراكش في 1598. وقد قام هذا البطل بدورين في الرواية. الأول هو أن يذكرنا بمأساة الموريسكيين الذين اضطروا إلى أن يتركوا وراءهم ذكرياتهم في أرض أجبروا على تركها. والثاني هو أن يقودنا إلى مغرب القرن السابع عشر، بتخبطاته، وبأحلامه التي علمت المغاربة فيما بعد، أن يتعاملوا مع أوضاعهم ومع العالم بواقعية. أي ذلك المغرب الذي كان مصنعا أطلق منتوجا هو الذي نعيشه حتى اليوم.
لقد تراءت للموريسكي ذي العين المفتوحة، مشاهد كان عليه أن يذعن لها، وهو القادم من العدوة الشمالية بمعنويات من فر بدينه، وشعر بنشوة عارمة حين وجد نفسه وهو عند روابي أزمور يتلو الشهادة جهرا وبحرية، أمام أشقاء في الملة. وحتى مغادرته لأرضه، و أثناء مقامه في البريجة البرتغالية، التي كانت منطلقه للقفز إلى بر المسلمين، كان يعيش بهويتين، هو في المظهر مسيحي اسمه بيدرو، وفي السر مسلم اسمه أحمد.