المتطفلون على الصحافة الإلكترونية



بقلم أمين بلامين:  

إغلاق صحف ورقية، أو تواريها عن الصدور، وتحول البعض منها إلى الصيغة الإلكترونية، أو حتى دخولها في مسارات جديدة لتدعيم خدماتها التفاعلية، هو لا يعني أبداً أن عصر النشر الإلكتروني يقضي على كل شيء، كالصحافة الورقية المطبوعة بتاريخها العريق والرزين.
طبعاً، التحولات هي جزء من الحياة وطبيعتها المتطورة، فالمادة في أصلها متحركة، هي قابلة للتحول والتغيّر والتبدّل، بفعل مؤثراتها الخاصة والداخلية أو الخارجية، وهو أمر لا ينطبق على الوسائل وحسب، بل يتجاوزها إلى الكيانات والأنفس..!
لكن، التحولات لا تعني إلغاء الحالة السابقة، والنعي قبل اكتمال بناء الحياة التالية، والانتقال الكلي إلى مرحلة جديدة ومكتملة من التطور والاستقرار، قبل أن تصبح بديلاً كلياً عمّا هو متوفر.
هذه الرؤية العامة تنطبق على الصحافة الورقية، وحالة التكوين الجديد، قبل البداية الحقيقية والجادة لمرحلة الصحافة الإلكترونية.
فالصحف، أو المطبوعات التي تحولت كلياً إلى الإلكترونية، واستقبلت قبلتها، ليس السبب استشعارها لمستقبل الصحافة الإلكترونية، ولكن لأنها عجزت عن المنافسة بين مطبوعات يومية أو أسبوعية، ولم تعد قادرة على توفير المزيد من التمويل لعملياتها، بعد استنفاد استثماراتها.
لنتذكر أنه وفي مرحلة سابقة قبل انتشار الإنترنت ودخول الصحافة الإلكترونية على الخط، كانت مثل هذه الإصدارات تموت دون أن يلاحظ أحد وجودها أصلاً، وهو ما حدث مع إصدارات عدة محلياً وعربياً.
الذي تغيّر اليوم، أن البعض منها وجد في الإنترنت «تنفساً صناعياً» يبقيها حيَّةً مؤقتاً، وهو ما يفسِّر تحول مطبوعات غير ناجحة تجارياً، مجلة المجلة أسبوعية، جريدة الإمارات 24-7 اليومية، جريدة الأوان الكويتية اليومية، فيما غادرت صحف ومطبوعات أخرى الساحة بعدما عجزت عن تأمين تمويل تحولها إلى صحف إلكترونية، الوقت البحرينية اليومية -مثلا-، وقائمة المتحولين تجمع عدداً من المطبوعات الدورية أيضاً، لكنه تحول أعقبه في الغالب اختفاء وتلاشٍ وغياب، لأن دخول الصحافة الإلكترونية كان من باب التطفّل وحسب، والتطفّل لا يستمر طويلاً، لأنه جاهل لطبيعة احتياجات البيئة الجديدة.
في المقابل هناك صحف إلكترونية جاءت محاولات، منها ما استمر، وسجل اسماً بسبب الدعم الرأسمالي المتوفر، ومنها ما يحاول البقاء، وقليل هو المؤثّر لكن يسجل لها أنها مولود شرعي للنت وصحافتها، ورحمها إلكتروني بامتياز.
وحتى المتوفر منها لا يمكن أن يحذف وجود سابقتها المطبوعة - نهائياً- وإن كانت تتسلّى بمثل هذه الأمنيات، وتقدم نفسها كمتنبئ إلكتروني يشيخ به الزمن وهو ينتظر دفن غريم تقليدي، حيث لا يكفي التظاهر والتطبيل وخلق جيفة للطم عليها..
إنها اللعبة التي تتكرر ويتسلّى بها المنظّرون والمتطفّلون وسارقو النبوءات، في حين يستمر المسار الطبيعي للأشياء وللمراحل بعيداً عن حرقها، أو مجرد التأجيل لها..