بقلم هشام بوعزة:
إن الناظر لحركات الشعوب واتجاهاتها وأفكارها، يلاحظ بوضوح تداعي الأمم على المسلمين، تماماً كما تداعى الأكلة على قصعتها، مستخدمين لذلك ما أتيح لهم من إمكانات، وكانت أولى هذه الإمكانات هي وسائل الإعلام التي يملكونها، ولسوء الحظ فإن أعداء الإسلام يكادون يملكون كل وسائل الإعلام الحديثة، حتى في العالم العربي والإسلامي.
وظهر العداء والخوف من الإسلام، فهو نظام عظيم تحبه فطرة الإنسان، وهو جدير أن يكون بديلاً حضارياً منافساً، وهذا السبب كان محور الدوافع التي جعلت النخبة الحاكمة الموجهة في الغرب تكثف من حملات التغريب على مجتمعاتنا العربية الإسلامية بشكل متواصل.
وقد كانت ثمرات هذه الوسائل التي سخرتها تلك النخبة من حركة استشراق وتنصير، وصنع للقيادات الفكرية والسياسية المستغربة والتمكين لها، وتغريب مناهج التعليم في العالم العربي، وغير ذلك من الوسائل، تجتمع في النهاية لتحقيق هدفين مترابطين هما : تفريغ عقول النخبة العربية والإسلامية من هويتها الذاتية المتميزة بالتشكيك في قدرة الإسلام على الاستجابة لمتطلبات الحياة العصرية، ومن جهة أخرى إحلال الهوية الغربية محلها عن طريق تزيين قيم الحضارة الغربية وطرائق عيشها، وترسيخ الاعتقاد لدى هذه النخبة بأن طريق التحضير والتحديث لابد وأن يمر بالغرب.
وقد أدرك كثير من أعداء الإسلام أهمية وسائل الإعلام في التأثير الحضاري، فاتجهوا إلى استثمارها وتوظيفها لخدمة أغراضهم، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، قيام المليونير اليهودي (روبرت مردوخ) ببناء إمبراطورية إعلامية ضخمة تشمل نصف سكان الكرة الأرضية.
وقد وقَّع مردوخ صفقة بقيمة (350) مليون جنيه إسترليني مع رجل الأعمال (لي كاشينج) لشراء شركة هاتشفيشن لشبكات الأقمار الصناعية في آسيا، لتنهض هذه الشركة بتشغيل نظام ستار التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية، الذي يعد مجاله الأوسع في العالم، حيث يصل إلى (38) بلداً آسيوياً، تمتد من الخليج حتى أندونيسيا.[1]
وهذا المثال يبين لنا عمل رجل من الرجال، أما الباحث الإعلامي الأمريكي (هربرت شيلر) فإنه يؤكد لنا اتجاه حكومات غربية عديدة، وخاصة الأمريكية نحو وسائل الإعلام، مستغلينها لصالحهم وأغراضهم، حيث يقول هذا الباحث في كتابه (وسائل الإعلام والامبراطورية الأمريكية):
"إن صنّاع القرار السياسي الغربيين انشغلوا بالبحث عن بدائل تضمن استمرار السيطرة الغربية- وعلى وجه التحديد الأمريكية- على الأوضاع الثقافية والاقتصادية الدولية، فاستقر رأيهم على التكنولوجيا كبديل.
وتتضمن هذه التكنولوجيا شبكات الكمبيوتر، ونظم الأقمار الصناعية.
وتقوم هذه الشبكات ببث كميات هائلة من الأخبار والمعلومات عبر دوائر عابرة للحدود القومية، وأكثر من ذلك فإنها سوف تصبـح في منأى عن الرقابة المحلية، ولذلك فإن هذا التوسع في الاستخدام العالمي للمعلومات بواسطة البث الالكتروني وشبكات بنوك المعلومات سوف تكون له آثاره الخطيرة على الثقافات القومية في الأعوام القادمة".[2]
وأقبل الكثير في العالم الإسلامي على هذه الثقافات والغزوات مستهلكين شاكرين، دون مبالاة لقيمهم وأفكارهم ومبادئهم وتاريخهم، ويتضح ذلك من خلال كمية البرامج الإعلامية المستوردة، فتشير دراسة أجرتها منظمة اليونسكو عن التداول الدولي للبرامج التلفزيونية إلى أن غالبية الدول النـامية تستورد مالا يقل عن نصف البرامج التي تعرضها في محطاتها التلفزيونية، وإن (70%) من جملة الواردات الدولية من البرامج التلفزيونية تأتي من الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، وإن الدول التي تحتكر تصدير هذه البرامج هي على التوالي: الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا.[3]
وكانت نتيجة هذا الاستهلاك الأعمى قبول المسلمين لأفكار أعدائهم، التي تعادي تاريخهم وقوميتهم وشخصيتهم، وأصبحنا اليوم نعاني من مشكلة التغريب الثقافي، وهذا التغريب يتسم بتأثيره بالجماهير، مما ساعد على تهيئة مناخ ملائم، ليتحول هذا التغريب من صفة الغزو المباشر إلى صفة الاستلاب غير المباشر، بل وأن يصل في بعض المجتمعات- حتى العربية الإسلامية منها- إلى حد الانسلاب الذي يتسم- كما يرى د.غازي القصيبي: "بأنه ذو دافع ذاتي تلقائي، يتم دون مجهود من الجهات الغازية، ويتم دون أن يدرك ضحيـة الغزو أنه معرض لأي خطر، فيُقبل في حماسة وبلاهة لا على قبـول الغزو فحسب، بل على اعتناقه واحتضانه. وهنا مكمن الخطر، إذ كيف يمكـن أن تقاوم عدواً لا تشعر بوجوده".[4]
ولم يقف التأثير عند هذا الحد، بل تجاوزه لنرى معاهد وكليات الإعلام، ووحدات البحوث والدراسات الإعلامية في العالم العربي والإسلامي تعتمد بشكل كبير على المناهج الغربية، ونتائج البحوث التي أجريت في المجتمعات الغربية، وهي نتائج بعيدة الصلة عن واقع مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وغريبة عن السياق الفكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي لهذه المجتمعات.
ومن هنا تظهر لنا حاجتنا الملحة إلى الإعلام الإسلامي المنتظر، الذي يحمي المسلمين من أعدائهم، ويحصنهم من أخطارهم، بل ويقدم الخير للإنسانية كافة، وينقذها من الظلمات إلى النور.