وفاة كيم جونغ ايل كشفت فشل الاستخبارات الأميركية





صوت الصحافة: توفي الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ايل على متن قطار صباح يوم السبت الماضي في بلده. وبعد 48 ساعة على وفاته لم يكن المسؤولون في كوريا الجنوبية يعلمون أي شيء عن الحدث، ناهيكم عن واشنطن حيث أكدت وزارة الخارجية "اطلاعها" على تقارير صحيفة عن وفاة كيم بعد مرور فترة على إعلانه في وسائل الاعلام الكورية الشمالية الرسمية. 
ويرى مراقبون ان فشل اجهزة الاستخبارات الكورية الجنوبية والاميركية في التقاط مؤشرات على مثل هذا الحدث المهم، مثل اتصالات هاتفية مذعورة بين مسؤولين كوريين شماليين أو تحشد جنود حول قطار كيم، يشهد على الطبيعة السرية لنظام كوريا الشمالية، الدولة المختصمة مع العالم كله تقريبا والمنعزلة عزلة تشكل تحديا للجواسيس والأقمار الاصطناعية التجسسية.
وكانت الاستخبارات الآسيوية والأميركية أخفقت من قبل في رصد تطورات مهمة في كوريا الشمالية. فان بيونغيانغ بنت منشأة ضخمة لتخصيب اليورانيوم دون أن تُكتشف طيلة عام ونصف العام حتى تباهى مسؤولون كوريون شماليون بوجودها حين أخذوا عالما نوويا اميركيا اليها في اواخر عام 2010. كما ساعدت كوريا الشمالية في بناء مفاعل نووي في سوريا دون علم الاستخبارات الغربية.
وإذ تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها عملية انتقال حساسة وربما محفوفة بالمخاطر في قيادة كوريا الشمالية فإن الطابع المغلق لهذه الدولة سيزيد حسابات أميركا وحلفائها تعقيدا بدرجة كبيرة. ولأنهم لا يعرفون إلا القليل عن كيم جونع اون نجل كيم، وأقلّ من ذلك ما يعرفونه عمّا يجري من دسائس في بيونغيانغ فإن الكثير من تعاملهم معها سيكون قائما على التخمين والحدس.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المستشار السابق لشؤون آسيا في ادارة بوش مايكل غرين أن لدى الولايات المتحدة خططا بشأن ما ينبغي عمله إذا شنت كوريا الشمالية هجوما ولكن ليس إذا انهار نظامها. واضاف ان إعداد مثل هذه السيناريوهات يتطلب قبل كل شيء معرفة ما يجري داخل كوريا الشمالية.
ويشتمل هذا في حالة العديد من البلدان الأخرى على اعتراض اتصالات هاتفية بين المسؤولين أو عمليات استطلاع تقوم بها اقمار تجسسية.  وتلتقط اجهزة متطورة على الحدود بين كوريا الجنوبية والشمالية اشارات الكترونية ويستجوب مسؤولو الاستخبارات الكورية الجنوبية آلاف الشماليين الذين يهربون الى الجنوب كل عام. ومع ذلك يكاد لا يُعرف شيء عما يجري داخل مؤسسات الحكم في كوريا الشمالية. وقال مسؤولون ان بيونغيانغ تُبقي المعلومات الحساسة محصورة في نطاق دائرة ضيقة من المسؤولين الذين لا يتكلمون.
وقال كريستوفر هيل المبعوث الاميركي السابق الذي كان يتفاوض مع كوريا الشمالية حول برنامجها النووي "ان هذا مجتمع يعتاش على سريته".  واضاف ان المسألة شديدة التعقيد ولمعرفة هيكل القيادة يتعيّن ان نسبر تاريخ الثقافة الكورية لفهم المبادئ الكونفوشية.
واعترف مسؤولون كبار في ادارة اوباما بأنهم كانوا متفرجين يتابعون مشاهد الدراما الكورية الشمالية ويأملون في ألا تؤدي الى اعمال عدوانية ضد كوريا الجنوبية.
ولا يوجد وضع واحد مريح من الأوضاع المحتملة التي يضعها المسؤولون الاميركيون في حساباتهم بعد رحيل كيم. ويفترض مسؤولون سابقون وحاليون ان كيم جونغ اون شاب وغير متمرس بحيث لن يتسلم مقاليد السلطة من والده بثقة كبيرة. ويتكهن البعض بأن كيم جونغ اون قد يقوم بدور الوصي فيما يمارس السلطة الفعلية مسؤولون عسكريون مثل جانغ سونغ تايك (65 عاما) شقيق ارملة كيم جونغ ايل.
وقال جيفري بيدر مستشار اوباما السابق للشؤون الآسيوية ان من السيناريوهات السيئة ان يجري نقل السلطة بسلاسة ويبقى الشعب الكوري الشمالي جائعا وتستمر بيونغيانغ في انتاج اسلحة نووية.  وتابع بيدر أن الانتقال الذي ينعدم فيه الاستقرار بحيث لا يكون هناك قائد واحد يمسك الدفة وتصبح السيطرة على البرنامج النووي حتى اشد غموضا، سيكون سيناريو حتى اسوأ من السيناريو السابق. 
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزية طلب عدم ذكر اسمه ان ما هو اسوأ في أداء الاستخبارات الاميركية فشلها في اختراق القيادة الحالية مشيرا الى ان الهاربين من الشمال كثيرا ما تكون معلوماتهم قديمة والهاربين من المسؤولين ذوي المستويات الوسطى في غالب الاحيان لا يعرفون ما يجري في الحلقة الداخلية العليا.
وحدثت اسوأ الاخفاقات الاستخباراتية على الاطلاق في غمرة حرب العراق. إذ كانت كوريا الشمالية تبني مفاعلا نوويا في سوريا وكان مسؤولون كوريون شماليون يزورون الموقع بانتظام. ولكن الولايات المتحدة كانت جاهلة بكل ذلك الى ان زار رئيس جهاز الاستخبارات الاسرائيلية الموساد وقتذاك ماير داغان مستشار جورج بوش للأمن القومي والقى على طاولته صورا فوتوغرافية للمفاعل.  وقامت اسرائيل بتدمير المفاعل عام 2007.
وفي حين كانت وكالة المخابرات المركزية تعلم ان كوريا الشمالية فتحت مسارا جديدا لأنشطتها النووية فانها لم تعثر قط على منشآت هذا المسار. وفي العام الماضي نظم الكوريون الشماليون لعالم نووي اميركي زيارة منشأة تقع في وسط مجمع يوننغبيون الذي تراقبه الاقمار التجسسية الاميركية باستمرار.  ولا يُعرف لماذا لم تتمكن عمليات الاستطلاع هذه من اكتشاف اعمال بناء واسعة في المجمع.
ويشكل الفشل في رصد بوادر أزمة أو صراع، مبعث قلق للكوريين الجنوبيين بصفة خاصة. فان عاصمتهم سيول لا تبعد إلا نحو 50 كلم عن الحدود مع كوريا الشمالية، وجيشهم في حالة استنفار دائم تحسبا لهجوم مباغت. ولكن مسؤولي كوريا الجنوبية لم يلاحظوا أي شيء غريب خلال 51 ساعة، وهي الفترة الفاصلة من وفاة كيم الى اعلانها رسميا. وخلال هذه الفترة زار الرئيس لي ميونغ باك طوكيو واجتمع مع رئيس الوزراء الياباني يوشيهيكو نودا، وعاد الى بلده واقام له حزبه احتفالا بمناسبة عيد ميلاده السبعين. وقال كوون سيون تياك عضو المعارضة البرلمانية في كوريا الجنوبية للصحافيين ان هذا يكشف عن وجود ثغرة كبيرة في الاستخبارات الكورية الجنوبية. واعترف كوون يونغ سي رئيس لجنة الاستخبارات في البرلمان عن الحزب الحاكم بأن اعلان كوريا الشمالية وفاة كيم فاجأ الاستخبارات الكورية الجنوبية واضاف "اننا سنحملهم المسؤولية عن ذل